" صفحة رقم 491 "
الذي وصى به نوحاً . ولما تقدم شيئآن : الأمر بإقامة الدين ، وتفرق الذين جاءهم العلم واختلافهم وكونهم في شك ، احتمل قوله . ) فَلِذَلِكَ ( ، أن يكون إشارة إلى إقامة الدين ، أي فادع لدين الله وإقامته ، لا تحتاج إلى تقدير اللام بمعنى لأجل ، لأن دعا يتعدى باللام ، قال الشاعر : دعوت لما نابني مسورا
فلبى فلبى يدي مسورا
واحتمل أن تكون اللام للعلة ، أي فلأجل ذلك التفرق . ولما حدث بسببه من تشعب الكفر شعباً ، ( فَادْعُ ( إلى الاتفاق والائتلاف على الملة الحنيفية ، ( وَاسْتَقِمْ ( : أي دم على الاستقامة ، وتقدم الكلام على ) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ( ، وكيفية هذا التشبيه في أواخر هود . ) وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ ( المختلفة الباطلة ، وأمره بأن يصرح أنه آمن بكل كتاب أنزله الله ، لأن الذين تفرقوا آمنوا ببعض . ) وَأُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ ( ، قيل : إن المعنى : وأمرت بما أمرت به لأعدل بينكم في ايصال ما أمرت به إليكم ، لا أخص شخصاً بشيء دون شخص ، فالشريعة واحدة ، والأحكام مشترك فيها . وقيل : لاعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم فتحاكمتم . ) لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ( : أي قد وضحت الحجج وقامت البراهين وأنتم محجوجون ، فلا حاجة إلى إظهار حجة بعد ذلك . ) اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ( وبينكم ، أي يوم القيامة ، فيفصل بيننا . وما يظهر في هذه الآية من الموادعة منسوخ بآية السيف .
( وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِى اللَّهِ ( : أي يخاصمون في دينه ، قال ابن عباس ومجاهد : نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومحاجتهم ، بل قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ؛ فديننا أفضل ، فنزلت الآية في ذلك . وقيل : نزلت في قريش ، كانوا يجادلون في هذا المعنى ، ويطمعون في رد المؤمنين إلى الجاهلية . واستجيب مبني للمفعول ، فقيل : المعنى من بعدما استجاب الناس لله ، أي لدينه ودخلوا فيه . وقيل : من بعدما استجاب الله له ، أي لرسوله ودينه ، بان نصره يوم بدر وظهر دينه . ) حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ( أي باطلة لا ثبوت لها . ولما ذكر من يحاج في دين الإسلام ، صرح بأنه تعالى هو الذي أنزل الكتاب ، والكتاب جنس يراد به الكتب الآلهية . ) وَالْمِيزَانَ ( ، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم : هو المعدل ؛ وعن ابن مجاهد : هو هنا الميزان الذي بإيدي الناس ، وهذا مندرج في العدل .
( وَمَا يُدْرِيكَ ( أيها المخاطب ، ( لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ( ، ذكر على معنى البعث أو على حذف مضاف : أي لعل مجيء الساعة ؛ ولعل الساعة في موضع معمول ، وما يدريك ، وتقدم الكلام على مثل هذا في قوله في آخر الأنبياء : ) وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ ).
وتوافقت هذه الجملة مع قوله : ) اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ ). الساعة : يوم الحساب ، ووضع الموازين : القسط ، فكأنه قيل : أمركم الله بالعدل والتسوية قبل أن يفاجئكم اليوم الذي يحاسبكم فيه ويزن أعمالكم . ) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ( بها بطلب وقوعها عاجلة ، لأنهم ليسوا موقنين بوقوعها ، ليبين عجز من يؤمن بها عندهم ، أي هي مما لا يقع عندهم . ) أَلاَ إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ ( ويلحون في أمر الساعة ، ( لَفِى ضَلَالَ بَعِيدٍ ( عن الحق ، لأن البعث غير مستعبد من قدرة الله ، ودل عليه الكتاب المعجز ، فوجب الإيمان به . ) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ( : أي بر بعباده المؤمنين ، ومن سبق له الخلود في الدنيا ، وما يرى من النعم على الكافر فليس بلطف ، إنما هو إملاء ، ولا لطف إلا ما آل إلى الرحمة والوفاة على الإسلام . وقال مقاتل : لطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعاً . وقال الزمخشري : يوصل بره إلى جميعهم ، ( يَرْزُقُ مَن يَشَاء ( : أي من يشاء يرزقه شيئاً خاصاً ، ويحرم من يشاء من ذلك الشيء الخاص ، وكل منهم مرزوق ، وإن اختلف الرزق ، ( وَهُوَ الْقَوِىُّ ( : أي البالغ القوة ، وهي القدرة ) الْعَزِيزُ ( : الغالب الذي لا يغلب .
ولما ذكر تعالى الرزق ، ذكر حديث الكسب . ولما كان الحرث في الأرض أصلاً من أصول المكاسب ، استعير لكل مكسب أريد به النماء والفائدة ، أي من كان يريد عمل الآخرة ، وسعى لها سعيها ، ( نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ ( : أي جزاء حرثه أي من جزاء حرثه من تضعيف الحسنات ، ( وَمَن كَانَ يُرِيدُ