كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 7)

" صفحة رقم 492 "
حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ( : أي العمل لها لا لآخرته ، ( نُؤْتِهِ مِنْهَا ( : أي نعطه شيئاً منها ، ( لَهُ فِى الاْخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ ( ، لأنه لم يعمل شيئاً للآخرة . والجملة الأولى وعد منجز ، والثانية مقيدة بمشيئته تعالى ، فلا يناله إلا رزقه الذي فرغ منه ، وكل ما يريده هو . واقتصر في عامل الآخرة على ذكر حظه في الآخرة ، كأنه غير معتبر ، فلا يناسب ذكر مع ما أعد الله له في الآخرة لمن يشاء ما يشاء . وجعل فعل الشرط ماضياً ، والجواب مجزوم لقوله تعالى : ) مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ( ، ولا نعلم خلافاً في جواز الجزم ، فإنه فصيح مختار ، إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب ، وهو أبو الحكم بن عذرة ، عن بعض النحويين ، أنه لا يجيء في الكلام الفصيح ، وإنما يجيء مع كأن لأنها أصل الأفعال ، ولا يجيء مع غيرها من الأفعال . ونص كلام سيبويه والجماعة أنه لا يختص ذلك بكان ، بل سائر الأفعال في ذلك مثلها ، وأنشد سيبويه للفرزدق : دست رسولاً بأن القوم إن قدروا
عليك يشفوا صدوراً ذات توغير
وقال آخر :
تعال فإن عاهدتني لا تخونني
نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
وقرأ الجمهور : نزد ونؤته بالنون فيهما : وابن مقسم ، والزعفراني ، ومحبوب ، والمنقري ، كلاهما عن أبي عمرو : بالياء فيهما . وقرأ سلام : نؤته منها برفع الهاء ، وهي لغة الحجاز .
( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ ).
) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء ( : استفهام تقرير وتوبيخ . لما ذكر تعالى أنه شرع للناس ) مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً ( الآية ، أخذ ينكر ما شرع غيره تعالى . والشركاء هنا يحتمل أن يراد به شركاؤهم في الكفر ، كالشياطين والمغوين من الناس . والضمير في شرعوا عائد على الشركاء ، والضمير في لهم عائد على الكفار المعاصرين للرسول ؛ ويحتمل أن يراد به الأصنام والأوثان وكل من جعلوه شريكاً لله . وأضيف الشركاء إليهم لأنهم متخذوها شركاء لله ، فتارة إليهم بهذه الملابسة ، وتارة إلى الله . والضمير في

الصفحة 492