كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 7)
[١٨/أ] (٢١٩) أولها في شأن الخمر والميسر، قال تعالى: {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}. وهذا ابتلاء أيضًا، وحاله كحال القتال في الشهر الحرام، فقد بيَّن هناك أن في القتال فيه مفسدة، وفي عدم القتال مفسدة أكبر، وترك هناك طريقًا للعذر.
وكذا هنا، بيَّن أن في الخمر والميسر منافع للناس، وفيهما إثم كبير. وكان محتملًا أن المراد بالإثم فيهما الإثم في مجرد تعاطيهما، أو المتوقع مما يؤديان إليه من العداوة والبغضاء والصد عن الصلاة وغير ذلك. ويمكن الترخُّص بأن يقول قائل: سأتعاطاهما مع الاحتراز عما ينشأ عنهما مما فيه إثم.
وبذلك اتضح لك ما قدَّمناه من الابتلاء في شأنهم، وأنه كالابتلاء بالقتال في الشهر الحرام.
وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} هذا متعلق بالابتلاء في النفقة المتقدمة، [١٨/ب] وقد مرَّ البيان في الكلام على آية (٢١٥).
وأخره إلى هنا إشارة إلى تأخر نزوله مدة؛ ليظهر أن الابتلاء استمر مدة غير قصيرة، وأنهم تماروا فيه. ولذلك لما لم يطل الابتلاء بتقديم الصدقة بين يدي النجوى عقب الأمر بها بنسخه. وليكون فيه تنبيه على ما ينبغي للمؤمنين
من الثبات عند الابتلاء، كأن قال: إني ابتليتكم في النفقة فوفيتم وأبلغتم، فلما تحملتم ذلك فرَّجتُ عنكم وخفَّفتُ، فكذلك ينبغي أن تعملوا في الابتلاءات الأخرى، فلا تجنحوا إلى جانب الرخصة، فإنكم إن لم تجنحوا أمكن أن يخفف الله عنكم شيئًا ما، كما خفف عنكم في النفقة.
الصفحة 170
387