كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 7)
ونحن نجد من بقي على الفطرة من العرب يصفون الرجل بالرحمة مع ذهولهم عن القلب ورقَّته، ويصفون الربَّ عزَّ وجلَّ بالرحمة ولا يتصورون له قلبًا ولا رقَّةَ قلب.
وأما تفسير المتكلمين إياها، فينظر فيه، فإن كان ظاهر الاختصاص بالمخلوق فهو تفسير لرحمة المخلوق فقط. والمعنى المطلق إذا فُسِّر باعتبار تقيُّده كان التفسير مقيَّدًا. ولا ينافي ذلك ثبوتَ الرحمة لله عزَّ وجلَّ بغير ذاك التفسير المقيَّد. وإن كان تفسيرًا مطابقًا للرحمة المطلقة على الحقيقة فلابد أن يكون ثابتًا لله تبارك وتعالى.
وأما تأويلكم إياها بالإحسان أو إرادته، فمردودٌ عليكم. فإننا نعلم أنَّ العرب الذي سمعوا القرآنَ وصحبوا النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا يفهمون من رحمة الله عزَّ وجلَّ معنًى وراء ذلك. فإن قلتم: وما هو؟ قلنا: هو الرحمة.
فإن قلتم: وما هي الرحمة؟ قلنا: إن كنتم تعرفون العربية حقَّ معرفتها، فسؤالُكم تعنُّت؛ وإلا فأخبرونا: أيَّ لسانٍ تتقنونه حتى ننظر من يترجم لكم به!
فإن قلتم: نحن نعرف اللسان المنطقي الذي يفسِّر بالحدِّ المبني على الجنس والفصل، كقولنا في الإنسان: حيوان ناطق.
قلنا: قولكم هذا رأس مالكم في الحدود، وليس هو عندكم حدًّا صحيحًا، وقد ملأتم الكتب بالاعتراضات عليه والأجوبة! ومع ذلك فهو بألفاظ عربية، والعربي يفهم المقصود بالإنسان أوضحَ مما يُفهِم قولُكم: "حيوان ناطق".
الصفحة 68
387