كتاب آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (اسم الجزء: 7)

وأجسامهم وقواهم وأموالهم وكل شيء لهم مِلكُه. ووجودهم وأجسامهم وأرواحهم وعقولهم وأسماعهم وأبصارهم وغير ذلك نعمةٌ عليهم منه سبحانه
وتعالى. وكذلك هدايتُه لهم وتيسيرُه إياهم للخير وغيرُ ذلك نعمةٌ منه عليهم. قال تعالى: [ل ٥٧/ب] {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨].
ثم وعدهم سبحانه من الثواب بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتوعَّدهم من العقاب بما لا يكاد أحدهم يقوَى على تصوُّرِ وصفه، فضلًا عن مشاهدته، فكيف بالوقوع فيه، فكيف بالخلود.
فلما كانوا مِلكًا له، وإنما خلقهم لعبادته، فالمحمود من أعمالهم هو ما كان عبادةً لربِّهم عزَّ وجلَّ. وعبادتُهم لربهم لا تفي بأداء ما عليهم من شكر نعمه، ومع ذلك فإنهم يعملونها راجين عليها الثوابَ، خائفين من العقاب أو النقصان. ولا تلتفِتْ إلى تنطُّعاتِ بعض المتصوفة!
وإذا كان الأمر كذلك، فالمؤدِّي ما عليه طامعًا بالثواب العظيم على فعله، خائفًا من العقاب أو النقصان إن لم يفعله= لا يستحقُّ استحقاقًا ذاتيًّا أن يُحمد، ولكن الله تبارك كما تفضَّل على الخلق بخلقهم، وتفضَّل عليهم بما لا يُحصَى من النعم التي منها: هدايةُ من هداه منهم، وتوفيقه وتيسيره للعمل الصالح؛ تفضَّلَ عليهم بأن أثنى عليهم، وأمر أو أذِن بحمدهم. فله الحمد في الأولى والآخرة.
الإشكال الثالث: أن يقال: إذا كان كلُّ شيءٍ محمودٍ في العالم إنما يستحقُّ الحمدَ عليه استحقاقًا ذاتيًّا اللهُ عزَّ وجلَّ؛ لأنه ربُّ العالمين ومالكُهم ومدبِّرُهم، فإنَّ الشيطان يلقي في أنفسنا السؤال عن الذمِّ، فهل عندك من بيانٍ دامغٍ لوسوسته؟

الصفحة 84