كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 7)

وعرٍ، ووادٍ عميق، وفيه قتلى كثيرة، فقال لي: امسك رأس البغل حتى أنزل، فنزل وتشمر، وجمع عليه ثيابه وسلَّ سكينًا معه وقصدني، ففررت من بين يديه فتبعني، فناشدته الله وقلتُ: خذ البغل بما عليه، فقال: هو لي، وإنما أريدُ قتلك، فخوفته الله والعقوبة فلم يقبل، فاستسلمتُ بين يديه وقلت: إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين فقال: عجِّل، فقمت أصلي، فارتج عليَّ القرآنُ، فلم يحضرني منه حرفٌ واحد، فبقيت واقفًا متحيرًا وهو يقول: هيه، افرغ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى: {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (¬1) فإذا أنا بفارس قد أقبل من فم الوادي وبيده حربةٌ، فرمى بها الرجلَ فما أخطأت فؤادَه، فخرَّ صريعًا، فتعلقتُ بالفارس وقلت: بالله من أنت؟ فقال: أنا رسولُ الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، قال: فأخذت البغلَ والحملَ ورجعتُ سالمًا (¬2).
أيها المسلمون: وكذلك الله يكفي ويشفي ويجيب المضطرَّ إذا دعاه ويكشف السوء، وهو خيرٌ حافظًا وهو أرحم الراحمين، ومن تعرَّف على الله في الرخاء عرفه في الشدائد والمحن، وقد يغتر الجاهل بقوته، أو يتمادى في جوره وطغيانه حيث أمهله الله، فإذا به يأخذه على حين غرّة، ومن حيث لا يحتسب، ومن نماذج السوء فرعون، فحين بلغ به الطغيان قال: أنا ربُّكم الأعلى، ونادى في قومه قال: يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون، وسخر بموسى ومن معه من المؤمنين فأخذه الله نكالَ الآخرة والأولى، وجعله عبرة للمعتبرين، {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} (¬3).
¬_________
(¬1) سورة النمل، الآية: 62.
(¬2) تفسير ابن كثير: 3/ 592.
(¬3) سورة الزخرف، الآيتان: 55، 56.

الصفحة 254