كتاب شعاع من المحراب (اسم الجزء: 7)

القرآن تكشف عن مكرٍ قديمٍ للأعداء، وعن إنفاقِ الأموال للصد عن سبيله ... ومع ذلك باءت هذه المحاولاتُ بالفشل بالنهاية، وكشف اللهُ عن ضعفِ كيد الأعداء وغلبتهم في النهاية، واقرأ بتمعُّن هذين النموذجين في زمنين مختلفين.
يقول تعالى عن الأول: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (¬1).
وقال عن النموذج الثاني: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} (¬2).
عباد الله: وينبغي أن لا يغيب عن بالنا ونحن نقاوم أعداء الإسلام أن هؤلاء الأعداء أعداءٌ لله قبل أن يكونوا أعداءَ لنا، تجدون ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (¬3)، وإنهم يكذبون بآيات الله قبل أن يكذبوا المرسلين، أو يسخروا بالمسلمين، يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (¬4)، والله تعالى أغير على دينه وحرماته ... ولكنه القدرَ الإلهيَّ بامتحان الناس بالشر والخير فتنة، وبالجملة فمهما بلغ كيدُ الأعداء، فالله موهنُ كيدهم، والله يمهلهم قليلًا ثم يأخذهم، تأملوا قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} (¬5)، وقوله: {إِنَّهُمْ
¬_________
(¬1) سورة النمل، الآيات: 48 - 52.
(¬2) سورة الأنفال، الآية: 36.
(¬3) سورة الممتحنة، الآية: 1.
(¬4) سورة الأنعام، الآية: 33.
(¬5) سورة الأنفال، الآية: 18.

الصفحة 269