كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 7)

ولا يستأثروا بما شرط لهم، فإنهم إن فعلوا لم يؤمن أن يقدح ذلك فيما بين المسلمين من التحاب والتصافي (فَاتَّقُوا اللَّهَ) في الاختلاف والتخاصم، وكونوا متحدين متآخين في الله (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) وتآسوا وتساعدوا فيما رزقكم الله وتفضل به عليكم.
وعن عطاء: كان الإصلاح بينهم أن دعاهم وقال: "اقسموا غنائمكم بالعدل"، فقالوا: قد أكلنا وأنفقنا، فقال: "ليردّ بعضكم على بعض".
فإن قلت: ما حقيقة قوله (ذاتَ بَيْنِكُمْ)؟ قلت: أحوال بينكم، يعنى: ما بينكم من الأحوال، حتى تكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق، كقوله (بِذاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران: 119] وهي مضمراتها. لما كانت الأحوال مُلابسة للبين قيل لها: ذات البين، كقولهم: اسقني ذا إنائك، يريدون: ما في الإناء من الشراب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعلى الوجه الأول: ذكر الله تعالى لشرف الرسول صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة: 62] في وجه، يدل عليه قوله فيما سبق: "هي لرسول الله صلى الله عليه وسلمن وهو الحاكم فيها خاصة"، وفيه تعظيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلمن وإيذانٌ بأن طاعته طاعة الله تعالى، وأنه خليفة الله في أرضه، وكما أنه لا ينطق عن الهوى كذلك لا يفعل بالهوى، صلات الله وسلامه عليه، والوجهان مبنيان على معنى السؤال، هل هو بمعنى استدعاء معرفة أو استجداء عطاء؟
الراغب: "السؤال: إما لاستدعاء معرفة أو ما يؤدي إليها، وإما لاستدعاء مال أو ما يؤدي إليه، فاستدعاء المعرفة: جوابه على اللسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال: جوابه على اليد، واللسان خليفة لها؛ إما بوعدٍ أو رد. والسؤال إذا كان للتعرف يعدى بنفسه وبالجار، نحو: سألته كذا، وعن كذا، وبكذا، وبـ"عن" أكثر، وإذا كان لاستدعاء المال يتعدى بنفسه وبـ"مِنْ"، كقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب: 53]، وقال: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 32].
قوله: (أحوال بينكم): قال الزجاج: "معنى (ذَاتَ بَيْنِكُمْ): حقيقة وصلكم، أي:

الصفحة 10