كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 7)

قال: بلى، قالت: فادع الله؛ فإنّ الدعاء يذهبه. يعنى: فزعت لذكره استعظاما له، وتهيبا من جلاله وعزَّة سلطانه وبطشه بالعصاة وعقابه، وهذا الذَّكر خلاف الذَّكر في قوله: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر: 23] لأن ذلك ذكر رحمته ورأفته وثوابه. وقيل: هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية، فيقال له: اتق الله فينزع. وقرئ: "وجلت"، بالفتح، وهي لغة، نحو: "وبق" في "وبق"، وفي قراءة عبد الله: "فرقت".
(زادَتْهُمْ إيمناً): ازدادوا بها يقينا وطمأنينة نفس؛ لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه، وقد حمل على زيادة العمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (قالت: فادع الله؛ فإن الدعاء يذهبه): يوهم توخي إزالة الخوف عن القلب بالكلية، والركون إلى الرجاء، لكن المراد أن المبتدئ إذا سمع الآيات القوارع والزواجر لم يطق فينزعج، وليس ذل من صريح الإيمان، بل صريح الإيمان أن يتدارك ذلك بآيات الرجاء ليحصل له الاطمئنان، كما أن الخوف يجذبه إلى القلق والاضطراب، فالرجاء يدعوه إلى السكون، فيطمئن السالك بين تينك الجذبتين، وهو المراد من قولها: "فإن الدعاء يذهبه".
قال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص السهروردي قدس سره: لما رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الباكي عند قراءة القرآن، قال: هكذا كنا حتى قست القلوب. أي: أدمنت سماع القرآن وألفت أنواره، فما استغربته حتى تتغير.
قوله: (فينزع): من نزعت الشيء من مكانه نزعاً: قلعته.
قوله: (ازدادوا به يقيناً وطمأنينة): قال الشيخ محيي الدين في "شرح صحيح مسلم": "الأظهر أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم، بحيث لا تعتريهم الشبهة، ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، ولا تزال قلوبهم منشرحة، وإن اختلفت عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره". وهذا موافق لقول من قال: الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان،

الصفحة 12