كتاب فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (اسم الجزء: 7)

وقرأ ابن محيصن: يسألونك علنفال، بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على اللام، وإدغام نون عن في اللام: وقرأ ابن مسعود: يسألونك الأنفال، أي يسألك الشبان ما شرطت لهم من الأنفال.
فإن قلت: ما معنى الجمع بين ذكر الله والرسول في قوله (قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول)؟ قلت: معناه أنّ حكمها مختص بالله ورسوله، يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته، ويمتثل الرسول أمر الله فيها، وليس الأمر في قسمتها مفوّضًا إلى رأى أحد، والمراد: أنّ الذي اقتضته حكمة الله وأمر به رسوله: أن يواسى المقاتلة المشروط لهم التنفيل الشيوخ الذين كانوا عند الرايات، فيقاسموهم على السوية،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأما كونه طاعة رسوله صلى الله عيه وسلم: فإنه لما قُسم بيننا على السوية رضينا به.
وأما كونه إصلاح ذات البين: فإنا لم نر حينئذ أن لكل منا فضلاً على الآخر، وأن ما نفله الله تفضل منه لا أجر لسعينا، وفيه إشارة إلى أن ثواب الآخرة على الأعمال تفضل، كما عليه الأصحاب. هذا تفسير حسن للآية، فسره صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (ما معنى الجمع بين كر الله ورسوله؟ ): ظاهره يقتضي أن السؤال وارد على الوجهين، وهو أن يُراد بالأنفال الغنائم، والسؤال عن القسمة من يقسمها: أرسول الله أم غيره؟ وأن يُراد بالأنفال ما يعطاه الغازي زائداً على سهمه، والسؤال للاستعطاء، لكن قوله بعد ذلك: "والمراد أن الذي اقتضته حكمة الله، وأمر به رسوله: أن يواسي المقاتلة المشروط لهم" إلى آخره، يخصصه بالوجه الثاني، وأن المراد بالجمع اختصاص الله تعالى بالأمر، واختصاص رسوله صلى الله عليه وسلم بالامتثال.

الصفحة 9