كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: 7)

2514 - حدّثنا أحمد بن عصام (¬1)، حدّثنا أبو أحمد الزبيري (¬2)، حدّثنا سفيان، عن حبيب -يعني: ابن أبي ثابت-، عن طاوس، عن ابن عبّاس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه صلّى في الكسوف فقرأ ثم ركع، ثمّ قرأ ثم ركع، ثمّ قرأ ثمّ ركع، ثمّ قرأ ثم ركع، ثمّ سجد سجدتين، والأخرى مثلها" (¬3).
¬_________
(¬1) ابن عبد المجيد الأنصاري مولاهم، أبو يحيى الأصبهاني.
(¬2) في نسخة (م): الزّهريُّ، وهو تصحيف، وأبو أحمد الزبيري هو: محمّد بن عبد الله بن الزبير الأسلمي الكوفي، مات سنة 203 هـ.
(¬3) أخرجه مسلم من طريق سفيان به نحوه، كما تقدّم في ح (2513).
وفيه من فوائد الاستخراج:
1 - زيادة قوله "سجدتين".
2 - التقى المصنِّف مع مسلم في سفيان وتساوى الإسنادان، وهذا بدل ومساواة.
2515 - حدّثنا أبو شيبة إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة (¬1) وإسحاق بن سَيَّار (¬2) والصَّاغاني (¬3)، وأبو أمية (¬4) قالوا: حدّثنا ثابت بن محمّد العابد (¬5)، حدّثنا سُفيان الثّوريّ، عن حبيب بن أبي ثابت، عن
-[7]- طاوس، عن ابن عباس، "أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى حين انكسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات، يقرأ في كل ركعة" (¬6).
¬_________
(¬1) إبراهيم بن عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة العبسي الكوفي.
(¬2) إسحاق بن سَيَّار بن محمّد، أبو يعقوب النَّصيبي (ت 273 هـ).
(¬3) محمّد بن إسحاق بن جعفر.
(¬4) محمّد بن إبراهيم بن مسلم الخُزاعي البغدادي الطَرَسُوسِي، بفتح الطاء والراء المهملتين والواو بين السينين المهملتين، الأولى مضمومة، والثّانية مكسورة.
انظر: الأنساب (4/ 60).
(¬5) الكوفي، قال أبو حاتم: "صدوق"، وقال ابن عدي: "هو عندي ممّن لا يتعمد =
-[7]- = الكذب، ولعله يخطئ". وقال الذهبي: "صدوق"، وقال الحافظ: "صدوق زاهد يخطئ في أحاديث"، توفي سنة 215 هـ.
انظر: الجرح والتعديل (2/ 457)، الكامل لابن عدي (2/ 523)، الكاشف (1/ 283)، التقريب (829).
(¬6) أخرجه مسلم (الصحيح: 2/ 627 كتاب الكسوف، باب ذكر من قال إنه ركع ثمان ركعات في أربع سحدات، ح 908 - 909)، وأبو داود (السنن 1/ 669) كتاب الصلاة -باب من قال: أربع ركعات- ح (1183)، والنسائي (السنن 3/ 129) كتاب صلاة الكسوف -باب كيف صلاة الكسوف- ح (1467)، وأحمد (المسند: 1/ 225، 346)، والدارمي (السنن: 1/ 430) كتاب الصلاة -باب الصلاة عند الكسوف- ح 1526، وابن خزيمة (الصحيح: 2/ 317) كتاب الصلاة -باب ذكر عدد الركوع في كل ركعة من صلاة الكسوف- ح (1385)، والطبراني (المعجم الكبير 11/ 52) والبيهقي (السنن الكبرى 1/ 327) كتاب صلاة الخسوف -باب من أجاز أن يصلي في الخسوف كعتين في كل ركعة أربع ركوعات.
جميعهم من طريق الثوري، به.
وكذلك أخرجه الترمذي (السنن 2/ 446) كتاب الصلاة -باب ما جاء في صلاة الكسوف- ح 560، إلا أن في حديثه: "صلى في كسوف فقرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع، ثلاث مرات، ثم سجد سجدتين، والأخرى مثلها".
والحديث أعله النقاد بالعلل الآتية:
الأولى: تدليس حبيب بن أبي ثابت، قال ابن حبان في صحيحه عن خبره (7/ 98): "ليس بصحيح لأن حبيبًا لم يسمع من طاوس هذا الخبر". أهـ =
-[8]- = وحبيب بن أبي ثابت قال عنه الحافظ في التقريب (1084): "ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس". وذكره الحافظ في المرتبة الثالثة من المدلسين كما في تعريف أهل التقديس (132)، ولم يصرح بالسماع في شيء من الطرق التي وقفت عليها.
وقد قال البيهقي: "وحبيب بن أبي ثابت وإن كان من الثقات فقد كان يدلس ولم أجده ذكر سماعه في هذا الحديث عن طاوس، ويحتمل أن يكون حمله عن غير موثوق به عن طاوس". السنن الكبرى (3/ 327).
وقد يحمل هذا الخبر على الاتصال لكونه في الصحيح، ولهذا قال ابن الملقن: "فلك أن تقول: حبيب هذا من الأثبات الأجلاء؛ فلعلَّ مسلمًا ثبت عنده سماعه من طاوس". البدر المنير (مخطوط: 4/ 211 / أ).
العلة الثانية: الاختلاف في سنده ومتنه.
قال البيهقي: "وقد روِّينا عن عطاء بن يسار، كثير بن عباس، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلاها ركعتين، في كل ركعة كوعان ... وقد روى سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس من فعله أنه صلاها ست ركعات في أربع سجدات، فخالفه في الرفع والعدد جميعًا". السنن الكبرى (3/ 327).
وأشار إلى هذا الشافعي رحمه الله حيث أبان أن ما جاء عن ابن عباس في صلاة الكسوف بالزيادة غلط، وأن المحفوظ عنه ما وافق رواية عائشة وأبي موسى الأشعري إذ رويا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاها ركعتين، في كل ركعة ركوعان، كما في اختلاف الحديث (ص 191) باب الخلاف في صلاة كسوف الشمس والقمر.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (3/ 306): "وحديث طاوس هذا مضطرب ضعيف، رواه وكيع عن الثوري، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن طاوس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، ورواه غير الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، ولم يذكر طاوسًا، ووقفه =
-[9]- = ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس فِعْلَه، ولم يرفعه.
وهذا الاضطراب يوجب طرحه، واختلف في متنه، فقوم يقولون: أربع ركعات، وقوم يقولون: ثلاث ركعات في ركعة، ولا يقوم بهذا الاختلاف حجَّة. أهـ
ومن الاختلاف على حبيب أيضًا قوله في آخر الحديث: "وعن عليّ مثل ذلك" كما في صحيح مسلم (2/ 627)، ومرة قال: "وعن عطاء مثل ذلك" كما عند النسائي (السنن 3/ 129). ورواية عطاء ذكرها البيهقي كما سبق، ولفظها مخالف لرواية حبيب، فقول حبيب عقب روايته: "وعن عطاء مثل ذلك" صريح في عدم ضبطه للحديث، كما قال الغماري في الهداية في تخريج أحاديث البداية (4/ 198).
العلة الثالثة: مخالفته للأكثر والأشهر في صفة صلاة الكسوف.
قال البيهقي رحمه الله -بعد أن أورد حديث جابر-: "من نظر في هذه القصة، وفي القصة التي رواها أبو الزبير عن جابر؛ علم أنها قصة واحدة، وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها يوم توفي إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد اتفقت رواية عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة، ورواية عطاء بن يسار، كثير بن عباس، عن ابن عباس، ورواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عمرو، ورواية أبي الزبير، عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما صلاها ركعتين، في كل ركعة كوعين، وفي حكاية أكثرهم قوله -صلى الله عليه وسلم- يومئذٍ: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنخسفان لموت أحد ولا لحياته" دلالة على أنه إنما صلاها يوم توفي ابنه فخطب وقال هذه المقالة ردًّا لقولهم: "إنما كسفت لموته". وفي إتفاق هؤلاء العدد مع فضل حفظهم دلالة على أنه لم يزد في كل ركعة على ركوعين .. اهـ. السنن الكبرى (3/ 326).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (17/ 18): "ومثل ما روى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الكسوف ثلاث ركوعات، وأربع كوعات، انفرد بذلك عن البخاري، فإن هذا ضعَّفه حذاق أهل العلم وقالوا: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل الكسوف إلا مرة =
-[10]- = واحدة يوم مات ابنه إبراهيم، وفي نفس هذه الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركوعات، وأربع كوعات إنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم.
ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين، ولا كان له إبراهيمان، وقد تواتر عنه أنه صلى الكسوف يومئذٍ ركوعين في كل ركعة، كما روى ذلك عنه عائشة، وابن عباس، وابن عمرو، وغيرهم، فلهذا لم يرو البخاري إلا هذه الأحاديث .. " اهـ.
وقد قال أبو عيسى الترمذي: "قال محمد -أي البخاري- أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات". العلل الكبير للترمذي -ترتيب أبي طالب القاضي (1/ 299).
ولا يشكل على هذا ما رواه النسائي (السنن 3/ 135) من طريق عبدة ابن عبد الرحيم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في كسوف في صفة زمزم أربع ركعات في أربع سجدات.
لأن لفظة "في صفة زمزم" تفرد النسائي بذكرها عن شيخه عبدة، وقد قال ابن كثير: "تفرد النسائي عن عبدة بقوله: "في صفة زمزم" وهو وهم بلا شك فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة بالمدينة في المسجد، هذا هو الذي ذكره الشافعي، وأحمد والبخاري، والبيهقي، وابن عبد البر، وأما هذا الحديث بهذه الزيادة فيخشى أن يكون الوهم من عبدة بن عبد الرحيم هذا، فإنه مروزي نزل دمشق، ثم صار إلى مصر فاحتمل أن النسائي سمعه منه بمصر فدخل عليه الوهم لأنه لم يكن معه كتاب، وقد أخرجه البخاري ومسلم والنسائي أيضًا بطريق آخر من غير هذه الزيادة".
وعرض هذا على الحافظ جمال الدين المزي فاستحسنه، وقال: "قد أجاد وأحسن الانتقاد". زهر الرّبى على المجتبى (3/ 135).
وذهب قوم إلى تصحيح هذا الحديث وحمله على تعدد الوقائع، منهم إسحاق بن =
-[11]- = راهويه، وابن خزيمة، والخطابي، واستحسنه أبو بكر بن محمد بن المنذر.
وقد قال البيهقي عقب ذكرهم: "والذي ذهب إليه الشافعي ثم محمد بن إسماعيل البخاري من ترجيح الأخبار أولى ... ". معرفة السنن والآثار (3/ 87).
وبهذا قال ابن عبد البر وابن تيمية كما أسلفت، وحكى استحبابه عن أكثر أهل العلم، وتبعه ابن قيم الجوزية وهو الراجح في الحكم على هذا الحديث والله أعلم.
انظر: التمهيد لابن عبد البر (3/ 305)، مجموع الفتاوى (24/ 259)، زاد المعاد (1/ 450 - 456).
وفي رواية المصنف من فوائد الاستخراج ما يلي:
1 - بيان المهمل في "سفيان" حيث جاء هنا مصرحًا بأنه الثوري.
2 - قوله: "يقرأ في كل ركعة" زيادة ليست في حديث مسلم.
3 - فيها أيضًا ما تقدم من البدل والمساواة.

الصفحة 6