كتاب روح البيان (اسم الجزء: 7)

وغير ذلك سواء وقع فى خلال المنثورات والخطب أم لا. والمراد بالشعر الواقع فى القرآن الشعر المنطقي سواء كان مجردا عن الوزن أم لا والشعر المنطقي اكثر ما يروج بالاصطلاحى قال الراغب قال بعض الكفار للنبى عليه السلام انه شاعر فقيل لما وقع فى القرآن من الكلمات الموزونة والقوافي وقال بعض المحصلين أرادوا به انه كاذب لان ظاهر القرآن ليس على أساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتم من العجم فضلا عن بلغاء العرب فانما رموه بالكذب لان اكثر ما يأتى به الشاعر كذب ومن ثمة سموا الادلة الكاذبة شعرا قال الشريف الجرجاني فى حاشية المطالع والشعر وان كان مفيدا للخواص والعوام فان الناس فى باب الاقدام والاحجام أطوع للتخييل منهم للصدق الاان مداره على الا كاذيب ومن ثمة قيل احسن الشعر أكذبه فلا يليق بالصادق المصدوق لما شهد به قوله تعالى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) الآية والمعنى وما علمنا محمدا الشعر بتعليم القرآن على معنى ان القرآن ليس بشعر فان الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات وأوهام واهية فاين ذلك من التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والاحكام الباهرة الموصلة الى سعادة الدنيا والآخرة ومن اين اشتبه عليهم الشؤون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله انى يؤفكون وفى الآية اشارة الى ان النبي عليه السلام معلم من عند الله لانه تعالى علمه علوم الأولين والآخرين وما علمه الشعر لان الشعر قرآن إبليس وكلامه لانه قال رب اجعل لى قرآنا قال تعالى قرآنك الشعر قال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فى قوله تعالى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) اعلم ان الشعر محل للاجمال واللغز والتورية اى وما رمزنا لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم شيأ ولا ألغزنا ولا خاطبناه بشىء ونحن نريد شيأ ولا اجملنا له الخطاب حيث لم يفهم انتهى وهل يشكل على هذه الحروف
المقطعة فى أوائل السور ولعله رضى الله عنه لا يرى ان ذلك من قبيل المتشابه او ان المتشابه ليس مما استأثر الله بعلمه وفى التأويلات النجمية يشير قوله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) الى ان كل اقوال واعمال واحوال تجرى على العباد فى الظاهر والباطن كلها تجرى بتعليم الحق تعالى حتى الحرف والصنائع وذلك سر قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) وتعليمه الصنائع لعباده على ضربين بواسطة وبغير واسطة اما بالواسطة فبتعليم بعضهم بعضا واما بغير الواسطة فكما علم داود عليه السلام صنعة اللبوس وكل حرفة وصنعة يعملها الإنسان من قريحته بغير تعليم أحد فهى من هذا القبيل انتهى: وفى المثنوى
قابل تعليم وفهمست اين جسد ... ليك صاحب وحي تعليمش دهد
جمله حرفتها يقين از وحي بود ... أول او ليك عقل آنرا فزود
هيچ حرفت را بين كين عقل ما ... داند او آموختن بي اوستا
كر چهـ اندر مكر موى اشكاف بد ... هيچ بيشه رام بي استاد شد
ثم حكى قصة قابيل فانه تعلم حفر القبر من الغراب حتى دفن أخاه هابيل بعد قتله وحمله على عاتقه أياما (وَما يَنْبَغِي لَهُ) البغاء الطلب والانبغاء انفعال منه يقال بغيته اى طلبته فانطلب

الصفحة 430