كتاب روح البيان (اسم الجزء: 7)

قال الراغب هو مثل قوله النار ينبغى ان تحرق الثوب اى هى مسخرة للاحراق والمعنى وما يصح لمحمد الشعر ولا يتسخرّ ولا يتسهل ولا يتأتى له لو طلبه اى جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يكن لسانه يجرى به الا منكسرا عن وزنه بتقديم وتأخير او نحو ذلك كما جعلناه اميا لا يهتدى للخط ولا يحسنه ولا يحسن قراءة ما كتبه غيره لتكون الحجة اثبت وشبهة المرتابين فى حقية رسالته ادحض فانه لو كان شاعرا لدخلت الشبهة على كثير من الناس فى ان ما جاء به يقوله من عند نفسه لانه شاعر صناعته نظم الكلام وقال فى انسان العيون والحاصل ان الحق الحقيق بالاعتماد وبه تجتمع الأقوال ان المحرم عليه صلى الله عليه وسلم انما هو إنشاء الشعر اى الإتيان بالكلام الموزون عن قصد وزنه وهذا هو المعنى بقوله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) فان فرض وقوع كلام موزون منه عليه السلام لا يكون ذلك شعرا اصطلاحا لعدم قصد وزنه فليس من الممنوع منه والغالب عليه انه إذا انشد بيتا من الشعر متمثلا به او مسندا لقائله لا يأتى به موزونا وادعى بعض الأدباء انه عليه السلام كان يحسن الشعر اى يأتى به موزونا قصدا ولكنه كان لا يتعاطاه اى لا يقصد الإتيان به موزونا قال وهذا أتم وأكمل مما لو قلنا انه كان لا يحسنه وفيه ان فى ذلك تكذيبا للقرآن وفى التهذيب للبغوى من أئمتنا قيل كان عليه السلام يحسن الشعر ولا يقوله والأصح انه كان لا يحسنه ولكن كان يميز بين جيد الشعر ورديئه ولعل المراد بين الموزون منه وغير الموزون ثم رأيته فى ينبوع الحياة قال كان بعض الزنادقة المتظاهرين بالإسلام حفظا لنفسه وماله يعرض فى كلامه بان النبي عليه السلام كان يحسن الشعر يقصد بذلك تكذيب كتاب الله تعالى فى قوله (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) الآية الكل فى انسان العيون يقول الفقير أغناه الله القدير هذا ما قالوه فى هذا المقام وفيه إشكال كما لا يخفى على ذوى الافهام لانهم حين حملوا الشعر فى هذا الكلام على المنطقي ثم بنوا قوله وما ينبغى له على القريض لم يتجاوب آخر النظم باوله والظاهر ان المراد وما ينبغى له من حيث نبوته وصدق لهجته ان يقول الشعر لان المعلم من عند الله لا يقول الا حقا وهذا لا ينافى كونه فى نفسه قادرا على النظم والنثر ويدل عليه تمييزه بين جيد الشعر ورديئه اى موزونه وغير موزونه على ما سبق ومن كان مميزا كيف لا يكون قادرا على النظم فى الإلهيات والحكم لكن القدرة لا تستلزم الفعل فى هذا الباب صونا عن اطلاق لفظ الشعر والشاعر الذي يوهم التخييل والكذب وقد كان العرب يعرفون فصاحته وبلاغته وعذوبة لفظه وحلاوة منطقه وحسن سرده والحاصل ان كل كمال انما هو مأخوذ منه كما سبق فى اواخر الشعراء. وكان أحب الحديث اليه صلى الله عليه وسلم الشعر اى ما كان مشتملا على حكمة او وصف جميل من مكارم الأخلاق او نصرة الإسلام او ثناء على الله ونصيحة للمسلمين. وايضا كان ابغض الحديث اليه صلى الله عليه وسلم الشعر اى ما كان فيه كذب وقبح وهجو ونحو ذلك. واما ما روى من انه عليه السلام كان يضع لحسان فى المسجد منبرا فيقوم عليه يهجو من كان يهجو رسول الله والمؤمنين فذلك من قبيل المجاهدة التي أشير إليها فى قوله (جاهدوا باموالكم وأنفسكم وألسنتكم)
شاعران شيران شدند وهجوشان ... همچو چنكال و چودندانست دان

الصفحة 431