كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

ذلك فليكثر من الصوم. ثم قال: وهو قول جماعة من السلف. وذهب الجمهور إلى أن الأمر في الحديث محمول على الندب، قالوا: لأن الله سبحانه وتعالى خير بينه وبين التسَرّي في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}. ثم قال: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (¬1). والتسري ليس بواجب إجماعًا فكذا النكاح، لأن التخيير بين الواجب وغيره يرفع الوجوب. والمسألة مبسوطة في الأصول إلا أن دعوى الإجماع غير مسلمة، فإن فيه الخلاف السابق في أن التسري واجب، ثم قوله تعالى: {إلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (¬2). فإن قوله: {غَيْرُ مَلُومِينَ}. يدل على عدم الوجوب إذ لا يقال للواجب: إن فاعله غير ملوم. ثم الحديث متأول بأن ذلك في حق المستطيع الذي يخاف الضرر من العزبة، ثم إن القائلين بالوجوب إنما يجب عندهم العقد دون الوطء، وظاهر الحديث في الوطء، لأن العقد لا يحصل شيئًا من الفوائد المرتبة عليه. وأما قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (¬3). فهو لا يدل على وجوب التزويج، وإنما يجب على الولي الإنكاح عند طلبه منه، ولم يقل أحد بوجوبه على النساء، وقد صرح بذلك ابن حزم (¬4) فقال: وليس ذلك فرضًا على النساء. وقال أبو إسحاق الشيرازي صاحب "التنبيه" (¬5): إن النكاح للنساء مستحب عند الحاجة ومكروه عند عدمها. وقال الشيخ عماد الدين الريحاني في "شرح الوجيز" المسمى بـ "الموجز": لم يتعرض الأصحاب
¬__________
(¬1) الآية 3 من سورة النساء.
(¬2) الآية 7 من سورة المؤمنون.
(¬3) الآية 32 من سورة النور.
(¬4) المحلى 11/ 4.
(¬5) التنبيه 1/ 157.

الصفحة 10