كتاب البدر التمام شرح بلوغ المرام (اسم الجزء: 7)

قوله: "اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة". الأمر للإرشاد والإصلاح، لا للإيجاب، ووقع في رواية جرير بن حازم (¬1): فردت عليه وأمره ففارقها.
الحديث فيه دلالة على صحة الخلع، وعلى أنه يحل أخذ العوض من المرأة، وفي ذلك أقوال، فذهب إلى ذلك الهادي والقاسم والناصر والزهري والنخعي وداود وعطاء وأهل الظاهر، واختاره ابن المنذر إلا أنه يشترط نشوز المرأة كما في قصة ثابت، ولقوله تعالى: {إلا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} (¬2). وقوله تعالى: {إلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬3). وذهب أبو حنيفة والشافعي ومالك والمؤيد بالله وأكثر أهل العلم إلى أنه يصح الخلع بالتراضي بين الزوجين، وإن كانت الحال مستقيمة بينهما، ويحل العوض، لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} (¬4) الآية. ولم يفرق، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا بطيبة من نفسه" (¬5). ولأنه إذا جاز الأكل من الصداق، ولم يحصل لها به عوض فمع حصول العوض أولى، والحديث لا يدل على منع هذه الحال، وقوله تعالى: {إلا أَنْ يَخَافَا}. يحتمل أن يراد به حقيقة الخوف الذي هو الظن والحسبان في حصول ذلك في المستقبل، فيدل على جوازه، وإن كان الحال مستقيمًا بينهما مقيمينِ حدود الله في الحال، فيؤيد ما قاله الجمهور، ويحتمل أن يراد به العلم بوقوع إلا أن يخافا ألا يقيما،
¬__________
(¬1) البخاري 9/ 395 ح 5276.
(¬2) الآية 229 من سورة البقرة.
(¬3) الآية 19 من سورة النساء.
(¬4) الآية 4 من سورة النساء.
(¬5) تقدم تخريجه في 6/ 255.

الصفحة 367