كتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني - ط التأصيل (اسم الجزء: 7)

قَالَ: فَخَرَجْنَا، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَصْبَرَ عَلَى مَشْيٍ مِنْهُ، كَانَ يَمْشِي، فَإِذَا رَآنِي أَعْيَيْتُ، قَالَ: ارْقُدْ، وَقَامَ يُصَلِّي، فَكَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَطْعَمْ يَوْمًا، حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَلَمَّا قَدِمْنَاهَا رَقَدَ، وَقَالَ لِي: إِذَا رَأَيْتَ الظِّلَّ هَاهُنَا، فَأَيْقِظْنِي، فَلَمَّا بَلَغَ الظِّلُّ ذَلِكَ المَكَانَ، أَرَدْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، ثُمَّ قُلْتُ: شَهْرٌ وَلَمْ يَرْقُدْ، وَاللهِ لأَدَعَنَّهُ قَلِيلاً، فَتَرَكْتُهُ سَاعَةً، فَاسْتَيْقَظَ، فَرَأَى الظِّلَّ قَدْ جَازَ ذَلِكَ المَكَانَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ أَنْ تُوقِظَنِي؟ قُلْتُ: قَدْ كُنْتَ لَمْ تَنَمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَدَعَكَ أَنَّ تَنَامَ قَلِيلاً، قَالَ: إِنِّي لاَ أَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيَّ سَاعَةٌ، إِلاَّ وَأَنَا ذَاكِرٌ اللهَ تَعَالَى فِيهَا، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْنَا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَإِذَا سَائِلٌ مُقْعَدٌ يَسْأَلُ، فَسَأَلَهُ، فَلاَ أَدْرِي مَا قَالَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ المُقْعَدُ: دَخَلْتَ وَلَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا، وَخَرَجْتَ وَلَمْ تُعْطِنِي شَيْئًا، قَالَ: هَلْ تُحِبُّ أَنْ تَقُومَ؟ قَالَ: فَدَعَا لَهُ، فَقَامَ، فَجَعَلْتُ أَتَعْجَبُ وَأَتْبَعُهُ، فَسَهَوْتُ، فَذَهَبَ الرَّاهِبُ، ثُمَّ خَرَجْتُ أَتْبَعُهُ،
أَسْأَلُ عَنْهُ، فَرَأَيْتُ رَكْبًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ، فَقُلْتُ: أَرَأَيْتُمْ رَجُلَ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا عَبدٌ آبِقٌ، فَأَخَذُونِي، فَأَرْدَفُونِي خَلْفَ رَجُلٍ مِنْهُمْ، حَتَّى قَدِمُوا بِيَ المَدِينَةَ، فَجَعَلُونِي فِي حَائِطٍ لَهُمْ، فَكُنْتُ أَعْمَلُ هَذَا الْخُوصَ، فَمِنْ ثَمَّ تَعَلَّمْتُهَا، قَالَ: وَكَانَ الرَّاهِبُ، قَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ الْعَرَبَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْهُمْ نَبِيٌّ، فَإِنْ أَدْرَكْتَهُ، فَصَدِّقْهُ، وَآمِنْ بِهِ، وَإِنَّ آيَتَهُ أَنْ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ، وَلاَ يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَإِنَّ فِي ظَهْرِهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، قَالَ: فَمَكَثْتُ مَا مَكَثْتُ، ثُمَّ قَالُوا: جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَدِينَةِ، فَخَرَجْتُ مَعِي بِتَمْرٍ، فَجِئْتُ إِلَيْهِ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: صَدَقَةٌ، قَالَ: لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، فَأَخَذْتُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِتَمْرٍ، فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقُلْتُ: هَدِيَّةٌ، فَأَكَلَ، وَأَكَلَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ قُمْتُ وَرَاءَهُ لأَنْظُرَ الْخَاتَمَ، فَفَطِنَ بِي، فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَآمَنْتُ بِهِ، وَصَدَّقْتُهُ، قَالَ: فَإِمَّا كَاتَبَ عَلَى مِئَةِ نَخْلَةٍ، وَإِمَّا اشْتَرَى نَفْسَهُ بِمِئَةِ نَخْلَةٍ، قَالَ: فَغَرَسَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، فَلَمْ يَحَلِ الْحَوْلُ حَتَّى بَلَغَتْ، أَوْ قَالَ: أُكِلَ مِنْهَا.

الصفحة 167