كتاب تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (اسم الجزء: 7)
لَمَّا قَالَ أَبُو جَهْلٍ:" اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ" الْآيَةَ، نَزَلَتْ" وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ" كَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يعذب أهل قرية حتى يخرج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا وَالْمُؤْمِنُونَ، يَلْحَقُوا بِحَيْثُ أُمِرُوا. (وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانُوا يَقُولُونَ فِي الطَّوَافِ: غُفْرَانَكَ. وَالِاسْتِغْفَارُ وَإِنْ وَقَعَ مِنَ الْفُجَّارِ يُدْفَعُ بِهِ ضَرْبٌ مِنَ الشُّرُورِ وَالْأَضْرَارِ. وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِغْفَارَ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. أَيْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَفِيهِمْ مَنْ يَسْتَغْفِرُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا خَرَجُوا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَيْرَهُ،. قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُنَا يُرَادُ بِهِ الْإِسْلَامُ. أَيْ" وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" أَيْ يُسْلِمُونَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ. وَقِيلَ:" وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ" أَيْ فِي أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا. وَقِيلَ: مَعْنَى" يَسْتَغْفِرُونَ" لَوِ اسْتَغْفَرُوا. أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا لَمْ يُعَذَّبُوا. اسْتَدْعَاهُمْ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ يَتَحَرَّجُ، فَلَمَّا أَنْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الصُّوفَ وَرَجَعَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَأَظْهَرَ الدِّينَ وَالنُّسُكَ. فَقِيلَ لَهُ: لَوْ فَعَلْتَ هَذَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ لَفَرِحَ بِكَ. قَالَ: كَانَ لِي أَمَانَانِ، فَمَضَى وَاحِدٌ وَبَقِيَ الْآخَرُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:" وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ" فَهَذَا أَمَانٌ. وَالثَّانِي" وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ".
[سورة الأنفال (٨): آية ٣٤]
وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ) الْمَعْنَى: وَمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ أَنْ يُعَذَّبُوا. أَيْ إِنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ لِمَا ارْتَكَبُوا مِنَ الْقَبَائِحِ وَالْأَسْبَابِ، وَلَكِنْ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، فَعَذَّبَهُمُ اللَّهُ
الصفحة 399
404