كتاب الدر الفريد وبيت القصيد (اسم الجزء: 7)

يَا أخَا كُلُّ مُضَامٍ ... يَا أخَا مَنْ لَا أخَا لَه
يَا أخَا النُّعْمَانَ فُكَّ اليَوْمَ ... ضَيْفًا قَدْ أَتَى لَهُ
طَالَمَا عَالَجَ كَربَ ... المَوْتِ لَا يَنْعَمُ بَالَه
قَالَ: فَأبَى شَرِيْكٌ أنْ يَتَكَفَّلَ بِهِ فَوَثَبَ إلَيْهِ قُرَادُ بنُ أجْدَعَ الكَلْبِيُّ، فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ: أبَيْتَ اللَّعْنَ هُوَ عَلَيَّ. قَالَ النُّعْمَانُ: أَفَعَلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَضَمَّنَهُ إيَّاهُ وَأمَرَ لِلطَّائِيِّ بِخَمْسِمِائَةَ نَاقَةٍ فَقَبَضَهَا الطَّائِيُّ وَمَضَى إِلَى أهْلِهِ وَجَعَلَ الأجَلَ حَوْلًا مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ اليومَ مِنْ قَابِلٍ. فَلَمَّا حَالَ عَلَيْهِ الحَوْلُ وَبَقِيَ مِنَ الأجَلِ يَوْمٌ وَاحِدٌ قَالَ النُّعْمَانُ لِقُرَادٍ: مَا أرَاكَ إِلَّا هَالِكًا غَدًا فَقَالَ قُرَادٌ:
فَإنْ يَكُ صَدْرُ هذَا اليَوْمُ وَلَّى. البَيْتُ
فَلَمَّا أصْبَحَ النُّعْمَانَ رَكِبَ فِي خَيْلِهِ وَرَجْلِهِ مُتَسَلِّحًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُ حَتَّى أَتَى الغَرَّييِنِ فَوَقَفَ بَيْنَهُمَا وَأخْرَجَ مَعَة قُرَادًا وَأمَرَ بِقَتْلِهِ وكَانَ النُّعْمَانُ يُؤْثرُ أنْ يُقْتَلَ قُرَادًا لِيُفْلِتَ الطَّائِيُّ مِنَ القَتْلِ فَقَالَ لَهُ وُزَرَاؤُهُ: لَيْسَ لَكَ أنْ تَقْتُلُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِي يَوْمَهُ فَتَرَكَهُ فَلَمَّا كَادَتِ الشَّمْسُ أنْ تَجِبَّ وَقُرَادٌ مُجَرَّدٌ قَائِم فِي إزَارٍ عَلَى النَّطْعِ وَالسَّيْفُ مَجَرَّدٌ بِيَدِ السَّيَافِ وَهُوَ قَائِمٌ إِلَى جَنْبِهِ أنْشَأتْ امرَأةُ قُرَادٍ تَقُولُ:
أيَا عَيْنُ بَكِّي لِي قُرَادَ بنَ أجْدَعَا ... رَهِيْنًا لِقَتْلٍ لَا رَهِيْنًا مُوَدَّعَا
أتتهُ المَنَايَا بغْتَةً دُونَ قَوِمِهِ ... فَأمْسَى أسِيْرًا حَاضِرَ السِّيْفِ أضْرَعَا
قَالَ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ رَفَعَ لَهُم شَخْصٌ مِنْ بَعِيْدٍ فَأمَرَ النُّعْمَانُ بقَتْلِ قُرَادٍ فَقِيْلَ لَهُ: لَيْسَ لَكَ أنْ تَقْتُلَهُ حَتَّى يَأتِيْكَ الشَّخْصُ فَتَعْلَم مَنْ هُوَ فَكَفَّ عَنْهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيْهِمْ الرَّجُلُ فَإِذَا هُوَ الطَّائِيُّ مُكَفَّنًا مُحَنَّطًا مُنْتَهِيًا لِلْمَوْتِ فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهِ النُّعْمَانُ شَقَّ عَلَيْهِ مَجِيْئِهِ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى الرُّجُوعِ بَعْدَ إفْلَاتِكَ مِنَ القَتْل؟ قَالَ: الوَفَاءُ. قَالَ: وَمَا دَعَاكَ إِلَى الوَفَاءِ؟ قَالَ: دِيْنِي. قَالَ: وَمَا دِيْنُك؟ قَالَ: النَصْرَانِيَةُ. قَالَ النُّعْمَانُ: فَاعْرِضْهَا عَلَيَّ. فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَتَنَصَّرَ النُّعْمَانُ وَأهْلُ الحِيْرَةِ أجْمَعُونَ وكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى دِيْنِ العَرَبِ. فَتَرَكَ النُّعْمَانُ القَتْلَ مِنْ ذَلِكَ اليَوْمُ وَأبْطَلَ تلْكَ السِّنَّةَ وَأمَرَ بِهَدْمِ الغِرَّييْنِ وَعَفَا عَنْ قُرَادٍ وَالطَّائِيِّ وَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أدْرِي أيُّهُمَا أوْفَى

الصفحة 425