كتاب الدر الفريد وبيت القصيد (اسم الجزء: 7)

خَرَجَ الوَليْدُ بنُ طَرِيْفٍ الشَّيْبانِي عَلَى الرَّشِيْدِ بنِ المَهْدِيّ فكانَ أشَدَّ الخَوارِجِ بَأسًا وَشَجَاعَةً وَكانَ سُكّانُ الشَّمَاسِيَّةِ لا يَأمَنُونَ طُرُوقَهُ واشْتَدَّتْ شَوْكَتَهُ وَطالَتْ أيَّامَهُ فَوَجَّهَ إلَيْهِ الرَّشِيْدُ يَزِيْدَ بنِ مِزْيْدَ الشَّيْبانِيَّ فَجَعَلَ يُخاتِلُهُ وَيُماكِرُهُ وَكانَتْ البَرامِكَةُ مُنْحَرِفَةً عَنْ يَزِيْدَ بنِ مزيْدَ فَأغْرُوا بِهِ الرَّشِيْدَ وَقالُوا إنَّما يَتَحَامَى عَنْهُ للرَّحمِ وَإلَّا فَشَوْكَةُ الوَليْدِ يَسِيْرَةٌ وَهُوَ مُواعِدُهُ وَمُنْتَظِرٌ ما يَكُونُ مِنْ أمْرِهِ فَوَجَّهَ إلَيْهِ الرَّشِيْدُ كِتابَ مُغْضبٍ يَقُولُ فِيْهِ: لَو وَجَّهْتُ بَعضُ الخَدَمِ لَقامَ بِأكْثَرِ مِمَّا تَقُوم بِهِ وَلَكِنَّكَ مُداهِنٌ مُتَعَصِّبٌ، وَأمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ يُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ أخَّرْتَ مُناجزَةَ الوَليْدِ لَيُوَجِهَنَّ إلَيْكَ مَنْ يَحْمِلُ رَأسَكَ إِلَى أمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، فَلَقَى الوَليْدَ عَشِيَّةَ خَمِيْسٍ في شَهْرِ رَمَضَانَ فَجَهَدَ يَزِيْدُ عَطَشًا وَأخَذَ خَاتَمَهُ في فِيْهِ يَلُوْكُهُ وَقالَ لأصْحَابِهِ: فِداكُمْ أِبِي وَأُمَي إنما هِيَ الخَوارِجُ وَلَهُمْ حِمْلَةٌ فاثْبتُوا تَحْتَ التِّراسِ فَإذا انْقَضَت حَملَتْهُمْ فاحمِلُوا فَإنَّهُم إِذَا انْهَزَمُوا لَمْ يَرْجعُوا فَكَانَ كَمَا قَالَ وَثبتَ يَزِيْدُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَشِيْرَتِهِ وَحُمَاتِهِ ثُمِّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فانْكَشَفُوا وَأتَّبَعَ يَزِيْدُ الوَلِيْدَ بنَ طَرِيْفٍ فَلِحَقَهُ بَعْدَ مَسافَةٍ بَعِيْدَةٍ فَأخَذ رَأسَهُ وَكانَ الوَليْدُ خَرَجَ إلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُولُ (¬1):
أَنَا الوَليْدُ بن طَرِيْفِ ... قَسْوَرَةٌ لَا يُصْطَلَى بِنَارِي
جَوْرُكُمُ أخْرَجَنِي مِنْ دارِي
فَلَمّا قُتِلَ الوَليْدُ وَوَقَعَ في أصْحَابِهِ السَّيْفُ صَبَّحتهُمْ أخْتهُ لَيْلَى بِنْت طَرِيْفٍ مُسْتَعِدَّةً عَلَيْها الجوْشَنُ فَجَعَلَتْ تَحْمِلُ عَلَى النّاسِ فَعُرِفَتْ فَخَرَجَ إلَيْها يَزِيْدٌ بنُ مَزِيْدَ فَضَرَبَ بِالرِّمْحِ قطاةَ فَرَسِها ثُمَّ قَالَ لَها: اغْرُبِي أغْرَبَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَقَدْ فَضَحْتِ العَشِيْرَة، فاسْتَحيَتْ وانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَقُولُ (¬2):
تنل ما يا رَسْمُ قَبْرٍ كَأَنَّهُ ... عَلَى عَلَمٍ فَوْقَ الجِبالِ مَنِيْفِ
تَضَمَّنَ جُوْدًا حاتِمِيًّا وَنائِلًا ... وَسَوْرَةَ مِقْدامٍ وَقَلْبَ خَصِيْفِ
فَإنْ يَكُ أرْداهُ يَزِيْدُ بنُ مَزِيْدٍ ... فَيَا رُبَّ خَيْلٍ فَضَّهَا وَصُفُوفِ
¬__________
(¬1) البيت في الأغاني: 12/ 116.
(¬2) الأبيات في الحماسة البصرية: 1/ 228 منسوبة إلى ليلى بنت طريف.

الصفحة 465