كالجهاد في سبيل الله نصرة للدين وإقامة لحدوده وإحياء لمعالمه، ومع ذلك لا يسلم نفسه لعدوه، ولا يستسلم للأحداث، بل يستعد بما استطاع من قوة، ليحفظ نفسه وإخوانه، وليكون سيف الله المسلول على الأعداء، فإن قتل كان شهيدا، وإن رجع منتصرا سالما أو مصابا أجر وغنم، فله الحسنيان أو إحداهما على كل حال.
أما الإيثار بما حرم الله عليه البذل في جنسه فلا يجوز، بل هو جريمة يعاقب عليها.
وقال ابن القيم: قال صاحب [المنازل] (¬1) :
فصل: ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (¬2) منزلة الإيثار، قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (¬3) فالإيثار ضد الشح؛ فإن المؤثر على نفسه تارك لما هو محتاج إليه، والشحيح حريص على ما ليس بيده، فإذا حصل بيده شيء شح عليه وبخل بإخراجه، فالبخل ثمرة الشح، والشح يأمر بالبخل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا وأمرهم بالقطيعة فقطعوا (¬4) » .
فالبخيل: من أجاب داعي الشح، والمؤثر: من أجاب داعي الجود. كذلك السخاء عما في أيدي الناس هو السخاء، وهو أفضل من سخاء
¬__________
(¬1) [مدارج السالكين على منازل السائرين] (2\291-304) .
(¬2) سورة الفاتحة الآية 5
(¬3) سورة الحشر الآية 9
(¬4) سنن أبو داود الزكاة (1698) ، مسند أحمد بن حنبل (2/195) .