كتاب الكامل في التاريخ (اسم الجزء: 7)

ذِكْرُ مُخَاطَبَةِ جَلَالِ الدَّوْلَةِ بِمَلِكِ الْمُلُوكِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَأَلَ جَلَالُ الدَّوْلَةِ الْخَلِيفَةَ الْقَائِمَ بِأَمْرِ اللَّهِ لِيُخَاطَبَ بِمَلِكِ الْمُلُوكِ، فَامْتَنَعَ، ثُمَّ أَجَابَ إِلَيْهِ إِذَا أَفْتَى الْفُقَهَاءُ بِجَوَازِهِ، فَكَتَبَ فَتْوَى إِلَى الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ فَأَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصَّيْمَرِيُّ، وَالْقَاضِي ابْنُ الْبَيْضَاوِيِّ، وَأَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ بِجَوَازِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ أَفْتَى بِجَوَازِهِ مُرَاجَعَاتٌ وَخُطِبَ لِجَلَالِ الدَّوْلَةِ بِمَلِكِ الْمُلُوكِ.
وَكَانَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَخَصِّ النَّاسِ بِجَلَالِ الدَّوْلَةِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى دَارِ الْمَمْلَكَةِ كُلَّ يَوْمٍ، فَلَمَّا أَفْتَى بِهَذِهِ الْفُتْيَا انْقَطَعَ وَلَزِمَ بَيْتَهُ خَائِفًا، فَأَقَامَ مُنْقَطِعًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى يَوْمِ عِيدِ النَّحْرِ، فَاسْتَدْعَاهُ جَلَالُ الدَّوْلَةِ، فَحَضَرَ خَائِفًا فَأَدْخَلَهُ وَحْدَهُ وَقَالَ لَهُ: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّكَ مِنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مَالًا وَجَاهًا وَقُرْبًا مِنَّا وَقَدْ خَالَفْتَهُمْ فِيمَا خَالَفَ هَوَايَ، وَلَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ إِلَّا لِعَدَمِ الْمُحَابَاةِ مِنْكَ، وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ، وَقَدْ بَانَ لِي مَوْضِعُكَ مِنَ الدِّينِ، وَمَكَانُكَ مِنَ الْعِلْمِ. وَجَعَلْتُ جَزَاءَ ذَلِكَ إِكْرَامَكَ بِأَنْ أَدْخَلْتُكَ إِلَيَّ وَحْدَكَ، وَجَعَلْتُ إِذْنَ الْحَاضِرِينَ إِلَيْكَ، لِيَتَحَقَّقُوا عَوْدِي إِلَى مَا تُحِبُّ. فَشَكَرَهُ وَدَعَا لَهُ، وَأَذِنَ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ بِالْخِدْمَةِ وَالِانْصِرَافِ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ شِبْلُ الدَّوْلَةِ نَصْرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ مِرْدَاسٍ، صَاحِبُ حَلَبَ، قَتَلَهُ الدِّزْبَرِيُّ وَعَسَاكِرُ مِصْرَ، وَمَلَكُوا حَلَبَ.
وَفِيهَا أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ الْحَنْبَلِيِّ مَا ضَمَّنَهُ كِتَابَهُ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الْمُشْعِرَةِ بِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ التَّجَسُّمَ، وَحَضَرَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَزْوِينِيُّ الزَّاهِدُ بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ، وَتَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

الصفحة 786