كتاب الروض الأنف ت الوكيل (اسم الجزء: 7)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الاستسقاء لِلْقُبُورِ عِنْدَ الْعَرَبِ:
وَقَوْلُهُ: وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ. يَرُدّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنّمَا اسْتَسْقَتْ الْعَرَبُ لِقُبُورِ أَحِبّتِهَا لِتَخْصَبَ أَرْضُهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا لِمَطْلَبِ النّجْعَةِ فِي الْبِلَادِ. وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ: فَهَذَا كَعْبٌ يَسْتَسْقِي لِعِظَامِ الشّهَدَاءِ بِمُؤْتَة، وَلَيْسَ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ:
سَقَى مُطْغِيَاتِ الْمَحْلِ جُودًا وديمة ... عظام ابن ليلى حيث كان رميمها
فَقَوْلُهُ: حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ مُقِيمًا مَعَهُ، وَإِنّمَا اسْتِسْقَاؤُهُمْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِرْحَامٌ لَهُمْ، لِأَنّ السّقْيَ رَحْمَةٌ، وَضِدّهَا عَذَابٌ.
وَقَوْلُهُ: كَأَنّهُمْ فُنُقٌ، جَمْعُ: فَنِيقٍ، وَهُوَ الْفَحْلُ، كَمَا قَالَ الْآخَرُ، وَهُوَ طُخَيْمٌ:
مَعِي كُلّ فَضْفَاضِ الرّدَاءِ كَأَنّهُ ... إذَا مَا سَرَتْ فِيهِ الْمُدَامُ فَنِيقُ
وَقَوْلُهُ:
فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ
قَوْلُهُ حَقّ، لأنه إن كان عنى بِالْقَمَرِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَهُ قَمَرًا، ثُمّ جَعَلَهُ شَمْسًا، فَقَدْ كَانَ تَغَيّرَ بِالْحُزْنِ لِفَقْدِ جَعْفَرٍ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْقَمَرَ نَفْسَهُ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ وَمَغْزَاهُ حَقّ أَيْضًا، لِأَنّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ تَعْظِيمُ الْحُزْنِ وَالْمُصَابِ، وَإِذَا فُهِمَ مَغْزَى الشّاعِرِ فِي كَلَامِهِ، وَالْمُبَالِغُ فِي الشّيْءِ فَلَيْسَ بِكَذِبِ،

الصفحة 46