كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 7)

يقال لهم: بنو أُبَيْرِق، بِشْر وبشير ومُبَشِّر، وكان بشير رجلًا منافقًا، يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم يَنْحَلُه بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، قال فلان كذا وكذا. فإذا سمع أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الشعر قالوا: واللهِ، ما يقول هذا الشعرَ إلا هذا الخبيثُ. فقال:
أو كلما قال الرجال قصيدة ... أضِمُوا (¬١) فقالوا: ابنُ الأُبَيْرِق قالها؟!
قال: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقَة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير، وكان الرجل إذا كان له يَسار فقدمت ضافِطَة (¬٢) من الشام مِن الدَّرْمَك (¬٣) ابتاع الرجل منها، فخصَّ بها [نفسه]، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافِطَة الشام، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملًا من الدَّرْمَك، فجعله في مَشْرُبَة (¬٤) له، وفي المَشْرُبَة سلاح له؛ درعان، وسيفاهما، وما يصلحهما، فعدا عَدِيٌّ (¬٥) من تحت الليل، فنقب المَشْرُبَة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، تعلم أنه قد عُدِي علينا في ليلتنا هذه، فنُقِبت مشربتنا، فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتجسسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أُبَيْرِق قد استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو أُبَيْرِق قالوا ونحن نسأل في الدار: واللهِ، ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل. رجلًا مِنّا له صلاح وإسلام، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه، ثم أتى بني أُبَيْرِق، وقال: أنا أسرق؟! فواللهِ، ليخالطنكم هذا السيف، أو لَتُبَيِّنُنَّ هذه السرقة. قالوا: إليك عنّا، أيها الرجل، فواللهِ، ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار، حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي، لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرت ذلك له. قال قتادة: فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله، إنّ أهل بيتٍ مِنّا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سأنظر في ذلك». فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلًا
---------------
(¬١) (أضموا: غضبوا. التاج (أضم).
(¬٢) الضافط والضَّفّاط: الذي يجلب الميرة والمتاع إلى المدن. النهاية (ضفط).
(¬٣) الدَرْمَكَ: هو الدقيق الحوارى. النهاية (درمك).
(¬٤) المشربة -بفتح الراء وضمها-: الغرفة. النهاية (شرب).
(¬٥) العديّ: جماعة القوم يَعْدون لقتال ونحوه، وقيل: في معناه غير ذلك. اللسان (عدا).

الصفحة 53