كتاب موسوعة التفسير المأثور (اسم الجزء: 7)

منهم يُقال له: أسير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، إنّ قتادة بن النعمان وعمَّه عمدوا إلى أهل بيت مِنّا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت. قال قتادة: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلَّمته، فقال: «عمدت إلى أهل بيت ذُكِر منهم إسلام وصلاح، ترميهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت؟!». قال قتادة: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا ابن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن نزل القرآن: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}: لبني أبيرق، {واستغفر الله} أي: مما قلت لقتادة، {إن الله كان غفورا رحيما (١٠٦) ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم} إلى قوله: {ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما} أي: أنهم لو استغفروا الله لغفر لهم، {ومن يكسب إثما} إلى قوله: {فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا} قولهم للبيد، {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك} يعني: أسير بن عروة وأصحابه. إلى قوله: {فسوف نؤتيه أجرا عظيما}، فلمّا نزل القرآن أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسلاح، فردَّه إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح، وكان شيخًا قد عَسا (¬١) في الجاهلية، وكنت أرى إسلامَه مدخولًا، فلمّا أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي، هو في سبيل الله. فعرفت أن إسلامه كان صحيحًا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سُلافة بنت سعد؛ فأنزل الله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى} إلى قوله: {ضلالا بعيدا}. فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت، فرمت به في الأبطح، ثم قالت: أهديت لي شعر حسان؟! ما كنت تأتيني بخير (¬٢) [١٨٣٣].
(٤/ ٦٧٧ - ٦٨٠)
---------------
[١٨٣٣] علَّق ابنُ كثير (٤/ ٢٦٥) على هذا الحديث بقوله: «لفظ الترمذي، ثم قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعلم أحدًا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني، وروى يونس بن بكير وغير واحد، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده. ورواه ابن حاتم عن هاشم بن القاسم الحراني، عن محمد بن سلمة، به ببعضه. ورواه ابن المنذر في تفسيره: حدثنا محمد بن إسماعيل -يعني الصائغ -حدثنا الحسن بن أحمد ابن أبي شعيب الحراني، حدثنا محمد بن سلمة. فذكره بطوله. ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في تفسيره عن محمد بن العباس بن أيوب والحسن بن يعقوب، كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، عن محمد بن سلمة، به. ثم قال في آخره: قال محمد بن سلمة: سمع مني هذا الحديث يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إسرائيل. وقد روى الحاكم أبو عبد الله النيسابوري هذا الحديث في كتابه المستدرك، عن أبي العباس الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق بمعناه أتم منه، وفيه الشعر. ثم قال: وهذا حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه».
_________
(¬١) عسا: كبر وأسنّ. النهاية (عسا).
(¬٢) أخرجه الترمذي ٥/ ٢٧٨ - ٢٨٢ (٣٢٨٥) واللفظ له، والحاكم ٤/ ٤٢٦ (٨١٦٤)، وابن جرير ٧/ ٤٥٨ - ٤٦٢، وابن أبي حاتم ٤/ ١٠٥٩ - ١٠٦٠ (٥٩٣٣) من طريق محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن أبيه، عن جده قتادة بن النعمان به.
قال الترمذي: «هذا حديث غريب، لا نعلم أحدًا أسنده غير محمد بن سلمة الحراني». وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح، على شرط مسلم، ولم يخرجاه».

الصفحة 54