كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 7)

علي كتابك، فكتب الكاتب: " بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من سالمكم، وسلم إليكم، وحكّمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم، وإنكم مما بأيدكم من الملك في أوسع إباحة، مخصوصون منا بأكرم إيثار وسماحة، فاستديموا وفاءنا بوفائكم، واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم، والله ولي التوفيق لنا ولكم، والسلام ". فلما فرغ من كتابه قرأه على يوسف بن تاشفين بلسانه فاستحسنه، وقرن به يوسف بن تاشفين درقاً لمطية مما لايكون إلا في بلاده. - قلت: اللمطية، بفتح اللام وسكون الميم وبعدها طاء مهملة ثم ياء مشددة مثناة من تحتها وبعدها هاء ساكنة، هذه النسبة إلى لمطة، وهي بليدة عند السوس الأقصى، بينها وبين سجلماسة عشرون يوماً، قاله ابن حوقل في كتاب " المسالك والممالك " وهي معدن الدرق اللمطية، ولا يوجد مثلها في الدنيا على ما يقال، والله أعلم - قال: وأنفذ ذلك إليهم. فلما وصلهم كتابه أحبوه وعظموه وفرحوا بولايته ملك المغرب، وتقوت نفوسهم على دفع الفرنج، وأزمعوا إن رأوا من ملك الفرنج ما يريبهم أن يجيزوا إليه يوسف بن تاشفين ويكونوا من أعوانه على ملك الفرنج، فتحصل ليوسف بن تاشفين برأي وزيره ما أراد من محبة أهل الأندلس له، وكفاه الحرب لهم.
وإن الأذفونش بن فرذلند صاحب طليطلة قاعدة ملك الفرنج أخذ يجوس خلال الديار ويفتتح بلاد الأندلس ويشتط على ملوكهم بطلب البلاد منهم، وخصوصاً المعتمد بن عباد، فإنه كان مقصوداً فيه - وقد تقدم في ترجمة المعتمد ذكر تاريخ أخذه طليطلة والأبيات التي قيلت في ذلك - فنظر المعتمد في أمره فرأى أن الأذفونش قد داخله طمع فيما يلي بلاده، فأجمع أمره على استدعاء يوسف بن تاشفين على العبور، على ما فيه من الخطر، وعلم أن مجاورة غير الجنس مؤذنة بالبوار، وأن الفرنج والملثمين ضدان له، إلا أنه قال: إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين، ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير الفرنج، ولم يزل هذا الرأي نصب عينيه مهما اضطر إليه.

الصفحة 115