كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 7)

فوضى على غير تعبية ولا أهبة، ودهمتهم خيل العدو، فقمرت ابن عباد وحطمت ما تعرض لها، وتركت الأرض حصيداً خلفها، وصرع ابن عباد وأصابه جرح أشواه؛ وفر رؤساء الأندلس وأسلموا محلاتهم، وظنوا أنها وهية لا ترقع ونازلة لا تدفع، وظن الأذفونش أن أمير المسلمين في المنهزمين ولم يعلم أن العاقبة للمتقين، فركب أمير المسلمين أحدق به أنجاد خيله ورجاله من صنهاجة ورؤساء القبائل، فعمدوا إلى محلة الأذفونش فاقتحموها ودخلوها وقتلوا حاميتها، وضربت الطبول فاهتزت الأرض وتجاوبت الآفاق، وتراجع الروم إلى محلتهم بعد أن علموا أن أمير المسلمين فيها، فصدموا أمير المسلمين فأفرج لهم عنها، ثم كر فأخرجهم منها، ثم كروا عليه فأفرج لهم عنها، ولم تزل الكرات بينهم تتوالى إلى أن أمر أمير المسلمين حشمه السودان فترجل منهم زهاء أربعة آلاف ودخلوا المعترك بدرق اللمط وسيوف الهند ومزاريق الزان، فطعنوا الخيل فرمحت بفرسانها وأحجمت عن أقرانها، وتلاحق الأذفونش بأسود نفدت مزاريقه بالقذف، فأهوى ليضربه بالسيف، فلصق به الأسود وقبض على أعنته وانتضى خنجراً كان منتطقاً به، فأثبته في فخذه فهتك حلق درعه وشك فخذه مع بداد سرجه، وكان وقت الزوال من ذلك اليوم، فهبت ريح النصر وأنزل الله سكينته على المسلمين ونصر دينه، وصدقوا الحملة على الأذفونش وأصحابه، فأخرجوهم عن محلتهم، فولوا ظهورهم وأعطوا أعناقهم، والسيوف تصفعهم إلى أن لحقوا بربوة لجأوا إليها واعتصموا بها، وأحدقت بهم الخيل؛ فلما أظلم الليل انساب الأذفونش وأصحابه من الربوة، وأفلتوا بعدما نشبت فيهم أظفارهم، واستولى المسلمون على ما كان في محلتهم من الأثاث والآنية والمضارب والأسلحة، وأمر ابن عباد بضم رءوس قتلى الروم، فنشر منها أمامه كالتل العظيم، ثم كتب ابن عباد إلى ولده الرشيد كتاباً وأطار به الحمام يوم السبت سادس عشر المحرم يخبره بالنصر.
وقد روي أيضاً أن أمير المسلمين طلب من أهل البلاد المعونة على ما هو بصدده، فوصل كتابه إلى المرية في هذا المعنى، وذكر فيه أن جماعة أفتوه

الصفحة 118