كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 7)

قال لي السلطان صلاح الدين قدس الله روحه: كنت أكره الناس للخروج في هذه الدفعة وما خرجت مع عمي باختياري، وهذا معنى قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216) ".
وكان شاور لما أحس بخروج الفرنج إلى مصر على تلك القاعدة سير إلى أسد الدين يستصرخه ويستنجده، فخرج مسرعاً، وكان وصوله إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين وخمسمائة. ولما علم الفرنج بوصول أسد الدين إلى مصر على اتفاق بينه وبين أهلها رحلوا راجعين على أعقابهم ناكصين، وأقام أسد الدين بها يتردد إليه شاور في الأحيان، وكان وعدهم بمال في مقابلة ما خسروه من النفقة، فلم يوصل إليهم شيئاً وعلقت مخاليب أسد الدين في البلاد، وعلم أنه متى وجد الفرنج رخصة أخذوا البلاد، وأن شاور يلعب به تارة وبالفرنج أخرى، وملاكها فقد كانوا على البدعة المشهورة، وتحقق أسد الدين أنه لا سبيل إلى الاستيلاء على البلاد مع بقاء شاور، فأجمع رأيه على القبض عليه إذا خرج إليه. وكان الأمراء الواصلون مع أسد الدين يترددون إلى خدمة شاور، وهو يخرج في الأحيان إلى أسد الدين يجتمع به، وكان يركب على عادة وزرائهم بالطبل والبوق والعلم، ولم يتجاسر على قبضه أحد من الجماعة إلا السلطان بنفسه، وذلك أنه لما سار إليهم تلقاه راكباً. وسار إلى جانبه وأخذ بتلابيبه. وأمر العسكر بأن قصدوا أصحابه (1) ، ففروا ونهبهم العسكر. وأنزل شاور إلى خيمة مفردة، وفي الحال ورد توقيع على يد خادم خاص من جهة المصريين يقول: لابد من رأسه، جرياً على عادتهم في وزرائهم. فحز رأسه وأرسل إليهم، وسيروا إلى أسد الدين خلع الوزارة فلبسها، وسار ودخل القصر وترتب وزيراً، وذلك في سابع عشر ربيع الأول سنة أربع وستين وخمسمائة، ودام آمراً وناهياً، والسلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى مباشر الأمور مقرر لها لمكان كفايته ودرايته وحسن رأيه وسياسته، إلى الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة. فمات أسد الدين - قلت: وقد تقدم حديث أسد الدين
__________
(1) في السيرة: وأمر العسكر أن خذوا أصحابه.

الصفحة 149