كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 7)

فدخل القاهرة، فرأى جمعاً كبيراً من العامة فخافهم فقال لهم: إن مولانا العاضد أمركم بنهب دار شاور، فتفرقوا ومضوا لنهبها، ودخل على العاضد فتلقاه وأفاض عليه خلع الوزارة، ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش. ثم إنه مات يوم الأحد لسبع بقين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة بعلة الخوانيق، وقيل إنه سم في حنك الوزارة لما خلع عليه. وكانت وفاته بالقاهرة ودفن بدار الوزارة، ثم نقل إلى المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فكانت مدة وزارته شهرين وخمسة أيام. وقيل إن أسد الدين دخل على العاضد يوم الاثنين التاسع عشر من شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة، والله أعلم.
قلت: وقد تقدم في ترجمة كل واحد من شاور وأسد الدين ذكر شيء من هذه الأمور التي ذكرتها ها هنا، وإنما أعدت الكلام فيها لأني استوفيتها ها هنا أكثر من هناك، وأيضاً فإن المقصود في هذا كله ذكر سيرة صلاح الدين وتنقلاته وما جرى له من أول أمره إلى آخره، فأحببت ذكر ذلك على سياقة واحدة كي لا ينقطع الكلام فيبقى أبتر، فأقول:
ذكر المؤرخون (1) أن أسد الدين لما مات استقرت الأمور بعده للسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وتمهدت القواعد ومشى الحال على أحسن الأوضاع، وبذل الأموال وملك قلوب الرجال، وهانت عنده الدنيا فملكها، وشكر نعمة الله تعالى عليه، فتاب عن الخمر وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمص بقميص الجد والاجتهاد، ومازال على قدم الخير وفعل ما يقربه إلى الله تعالى، إلى أن مات.
قال شيخنا ابن شداد (2) : " سمعته يقول رحمه الله تعالى: لما يسر لي الله الديار المصرية علمت أنه أراد فتح الساحل لأنه أوقع ذلك في نفسي. ومن حين استتب له الأمر ما زال يشن الغارات على الفرنج إلى الكرك والشوبك وبلادهما
__________
(1) انظر سيرة صلاح الدين: 40.
(2) المصدر السابق: 41.

الصفحة 151