كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 7)

قطعت خطبة العاضد صاحب مصر، وخطب فيها للإمام المستضيئ بأمر الله أمير المؤمنين، وكان السبب في ذلك أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه في مصر وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر، وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى دولة المصريين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً لا فسحة له فيه، واتفق أن العاضد مرض؛ وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة، فاستشار أمراءه كيف الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم من أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلا أنه لا يمكنه إلا امتثال أمر نور الدين. وكان قد دخل إلى مصر إنسان عجمي يعرف بالأمير العالم، وقد رأيناه بالموصل كثيراً، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا أبتدئ بها، فلما كان أول جمعة من المحرم صعد المنبر قبل الخطيب، ودعا للمستضيئ بأمر الله فلم ينكر أحد ذلك، فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بمصر والقاهرة بقطع خطبة العاضد وإقامة الخطبة للمستضيئ بأمر الله، ففعلوا ذلك، ولم يتنطح فيها عنزان، وكتب بذلك إلى سائر ديار (1) المصرية. وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أهله وأصحابه بذلك، وقالوا: إن سلم فهو يعلم وإن توفي فلا ينبغي أن ننعض عليه هذه الأيام التي بقيت من أجله (2) ، فتوفي يوم عاشوراء ولم يعلم. ولما توفي جلس صلاح الدين للعزاء، واستولى على قصره وجميع ما فيه، وكان قد رتب فيه قبل وفاة العاضد بهاء الدين قراقوش وهو خصي يحفظه " - قلت: وقد تقدم ذكره في ترجمة أيضاً (3) - قال: " وجعله كأستاذ دار العاضد، فحفظ ما فيه حتى تسلمه صلاح الدين، ونقل أهل العاضد إلى مكان منفرد ووكل بحفظهم، وجعل أولاده وعمومته وأبناءهم
__________
(1) كذا في المسودة؛ وفي المختار والباهر: " الديار ".
(2) المختار: عمره.
(3) انظر ج 4: 91.

الصفحة 157