كتاب وفيات الأعيان (اسم الجزء: 7)

وأنا رجل من ولد فاطمة رضي الله عنها بنت محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له يعقوب: يا هذا أفيك خير فقال: إن فعلت خيراً معي شكرت ودعوت لك، فقال له: خذ هذا المال وخذ أي طريق شئت، فقال: طريق كذا وكذا آمن لي، فقال له امض مصاحباً. وسمعت الجارية الكلام كله، فوجهت مع بعض خدمها به وقالت: قل له: هذا فعل الذي آثرته على نفسك بي، وهذا جزاؤك منه؛ فوجه المهدي فشحن الطريق حتى ظفر بالعلوي وبالمال، ثم وجه إلى يعقوب فأحضره، فلما رآه قال: ما حال الرجل قال: قد أراحك الله منه، قال: مات قال: نعم، قال: والله قال: والله، قال: فضع يدك على رأسي، فوضع يده على رأسه وحلف له به، فقال: يا غلام أخرج إلينا من في ذها البيت، ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه، فبقي يعقوب متحيراً وامتنع الكلام عليه فما درى ما يقول، فقال له المهدي: لقد حل دمك، ولو آثرت إراقته لأرقته، ولكن احبسوه في المطبق، فحبسوه وأمر بأن يطوى عنه خبره وعن كل أحد. فأقام فيه سنتين وشهوراً في أيام المهدي وجميع أيام الهادي موسى بن المهدي وخمس سنين وشهوراً من أيام هارون الرشيد، ثم ذكر يحيى بن خالد البرمكي أمره وشفع فيه فأمر بإخراجه، فأخرج وقد ذهب بصره. فأحسن إليه الرشيد، وردّ ماله، وخيره المقام حيث يريد فاختار مكة، فأذن له في ذلك، فأقام بها حتى مات في سنة سبع وثمانين ومائة.
ولما أطلق يعقوب سأل عن جماعة من إخوانه فأخبر بموتهم فقال:
لكل أناس مقبرٌ بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد
هم جيرة الأحياء أما محلهم ... فدانٍ، وأما الملتقى فبعيد قلت: هذان البيتان في باب المرائي في كتاب " الحماسة " (1) .
__________
(1) شرح المرزوقي رقم: 297، وانظر الجهشياري: 163.

الصفحة 24