كتاب البحر المحيط في التفسير (اسم الجزء: 7)

بالألف، وزيد بْنُ عَلِيٍّ وَالْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ وَالْفَرَزْدَقُ وَالسُّلَمِيُّ فِي نَقْلِ صَاحِبِ اللَّوَامِحِ بِفَتْحِهَا وَبِالْأَلِفِ. وقرىء بِكَسْرِهَا وَبِالْأَلِفِ ذاتِ قَرارٍ أَيْ مُسْتَوِيَةٍ يُمْكِنُ الْقَرَارُ فِيهَا لِلْحَرْثِ وَالْغِرَاسَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مِنَ الْبِقَاعِ الطَّيِّبَةِ. وَعَنْ قَتَادَةَ: ذَاتُ ثِمَارٍ وَمَاءٍ، يَعْنِي أَنَّهَا لِأَجْلِ الثِّمَارِ يَسْتَقِرُّ فِيهَا سَاكِنُوهَا.
وَنِدَاءُ الرُّسُلُ وَخِطَابُهُمْ بِمَعْنَى نِدَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ وَخِطَابِهِ فِي زَمَانِهِ إِذْ لَمْ يَجْتَمِعُوا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ فَيُنَادَوْنَ وَيُخَاطَبُونَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِصُورَةِ الْجَمْعِ لِيَعْتَقِدَ السَّامِعُ أَنَّ أَمْرًا نُودِيَ لَهُ جَمِيعُ الرُّسُلِ وَوُصُّوا بِهِ حَقِيقٌ أَنْ يُوَحَّدَ بِهِ وَيُعْمَلَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الرُّسُلُ وَقِيلَ: لِيَفْهَمَ بِذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ كُلِّ رَسُولٍ كَمَا تَقُولُ تُخَاطِبُ تَاجِرًا: يَا تُجَّارُ اتَّقُوا الرِّبَا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: الْخِطَابُ لعيسى، وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ غَزْلِ أُمِّهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ بَقْلِ الْبَرِّيَّةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ هَذَا الْإِعْلَامُ عِنْدَ إِيوَاءِ عيسى ومريم إِلَى الرَّبْوَةِ فَذُكِرَ عَلَى سبيل الحكاية أي آوَيْناهُما وَقُلْنَا لَهُمَا هَذَا الَّذِي أَعْلَمْنَاهُمَا أَنَّ الرُّسُلَ كُلَّهُمْ خُوطِبُوا بِهَذَا وَكُلَا مِمَّا رزقنا كما وَاعْمَلَا صَالِحًا اقْتِدَاءً بِالرُّسُلِ وَالطَّيِّبَاتُ الْحَلَالُ لَذِيذًا كَانَ أَوْ غَيْرَ لَذِيذٍ. وَقِيلَ: مَا يُسْتَطَابُ وَيُسْتَلَذُّ مِنَ الْمَآكِلِ وَالْفَوَاكِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ وَقَدَّمَ الْأَكْلَ مِنَ الطَّيِّبَاتِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَالِحًا إِلَّا مَسْبُوقًا بِأَكْلِ الْحَلَالِ.
إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ تَحْذِيرٌ فِي الظَّاهِرِ وَالْمُرَادُ اتِّبَاعُهُمْ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ الْآيَةَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِهَا فِي أَوَاخِرِ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَإِنَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْحَرَمِيَّانِ وَأَبُو عَمْرٍو بِالْفَتْحِ وَالتَّشْدِيدِ أي ولأن، وابن عَامِرٍ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ وَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ لِلرُّسُلِ نُودِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي زَمَانِهِ قَوْلُهُ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ.
وَقَوْلُهُ فَتَقَطَّعُوا وَجَاءَ هُنَا وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأَنْبِيَاءِ فَاعْبُدُونِ
«1» لِأَنَّ هَذِهِ جَاءَتْ عَقِيبَ إِهْلَاكِ طَوَائِفَ كَثِيرِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، وَالْأُمَمِ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَفِي الْأَنْبِيَاءِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ أَيْضًا قِصَّةُ نُوحٍ وَمَا قَبْلَهَا فَإِنَّهُ جَاءَ بَعْدَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِحْسَانِ وَاللُّطْفِ التَّامِّ فِي قصة أيوب ويونس وزكريا ومريم، فَنَاسَبَ الْأَمْرَ بِالْعِبَادَةِ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ تَعَالَى وَجَاءَ هُنَا فَتَقَطَّعُوا بِالْفَاءِ إِيذَانًا بأن التقطيع اعتقب
__________
(1) سورة العنكبوت: 29/ 56.

الصفحة 566