كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

على أن الخليفة أبو بكر رضي الله عنه، كيف تقول: لم يستخلف؟ !
وفيها: أن من مناقبه رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ))، الخلة: هي نهاية المحبة وكمالها، والخليل هو: المحبوب الذي بلغ الغاية في المحبة حتى تخللت محبته شغاف القلب، ووصلت إلى سويدائه، والخليل لا يتسع قلبه لأكثر من واحد من البشر من المخلوقين، وأما المحب فيتسع قلبه للآلاف؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم اتسع قلبه لمحبة كثيرين، فأبو بكر رضي الله عنه كان من أحب الناس إليه، وعائشة رضي الله عنها كانت من أحب الناس إليه، وزيد بن حارثة رضي الله عنه كان حِبَّ رسول الله، وأسامة رضي الله عنه ابن حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيها: أن نبينا صلى الله عليه وسلم شارك إبراهيم عليه السلام في الخلة، فإبراهيم عليه السلام خليل الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم خليل الله.
وفيها: إثبات الخلة لله عز وجل، وهي صفة من صفاته سبحانه وتعالى، خلافًا للجهمية الذين أنكروا الخلة، وقالوا: إن معناها الفقر والحاجة، وهذا من جهلهم وضلالهم، ففسروا الخلة بالفقر والحاجة، وقالوا: إبراهيم خليل الله، أي: هو الفقير المحتاج إلى الله، وهذا من جهلهم وضلالهم؛ لأن تفسير الخلة بالفقر والحاجة يشاركه فيها حتى الكفرة، فالفقير محتاج إلى الله، فعلى قولهم يكون الكفارُ أخلاءَ لله! .
وأول من أنكر الخلة: الجعد بن درهم، وهو أول من حُفِظ عنه في الإسلام إنكار الصفات، فأنكر أن يتخذ الله إبراهيم خليلًا، وأنكر أن يكلم اللهُ موسى تكليمًا، فقتله خالد بن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط، بفتوى من علماء زمانه وأكثرُهم من التابعين؛ فصلى بالناس العيد وجاء بالجعد مقيدًا موثوقًا، وجعله تحت عقب المنبر فصلى بالناس، ثم خطب، وقال في آخر الخطبة: ((ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا))، ثم نزل وأخذ السكين وذبحه ذبح الشاة والناس ينظرون،

الصفحة 11