كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

وقولها: ((قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ )): هذه الحادية عشرة وهي التي يُعرف الحديث باسمها، فيقال: هذا حديث أم زرع، وهي أحسنهن حالًا، تقول: ((زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ )): الاستفهام هنا للتفخيم والتعظيم، يقول تعالى: {القارعة ما القارعة}، {الحاقة ما الحاقة}، ومثله قولها: ((ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ ))، ((جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ ))، ((أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ )): جميعها استفهامات للتفخيم والتعظيم.
وقولها: ((أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ)): النوس: الحركة من كل شيء متدلٍّ، يقال: ناس ينوس نوسًا، وأناسه إناسةً، والمعنى: أنه أعطاها الكثير من الذهب الذي تضعه في أذنيها، فالأقراط تنوس، أي: تتحرك لكثرتها، فهو كريم يعطيها من الحلي ما تشاء؛ لتتزين به.
وقولها: ((وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ))، يعني: أنها صارت عنده سمينة بسبب الرفاهية والتنعم، حتى ركبها الشحم، وامتلأ عضداها به، والمراد: أنها سمينة، لكن ذكرت العضدين؛ لأنهما إذا سمنتا سمن غيرهما.
وقولها: ((وَبَجَّحَنِي، فَبَجَحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي))، يعني: أنه فرَّحها ففرحت إليها نفسها، فقد قدَّرها وجعل لها منزلة ومكانة، جعلها تتصرف كيفما تشاء؛ لأن لها سلطة مطلقة، فقد أعطاها ما تريد، وقيل: المعنى: عظمني فعظمت عند نفسي، يقال: فلان يتبجح بكذا، أي: يتعظم ويفتخر.
وقولها: ((وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ، وَأَطِيطٍ، وَدَائِسٍ ومُنَقٍّ))، أي: أخذها من عند أهلها، وكانوا أصحابَ غُنيمات قليلات، يسكنون بموضع يقال له: شق، وقيل: يسكنون بشق جبل؛ لقلتهم وقلة غنمهم، وشق الجبل: ناحيته، فأخذها وجعلها في أهل صهيل الخيل، وأطيط الإبل، أي: صوتها، والعرب لا تعتد بأصحاب الغنم، وإنما يعتدون بأهل الخيل والإبل، ((وَدَائِسٍ)): هو الذي يدوس الزرع في بيدره، ((ومُنَقٍّ)) -

الصفحة 110