كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

وفي الرواية الأخرى: ((وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجًا))، أي: أعطاني- وهو الزوج الثاني لأم زرع- من كل ذابحة، أي: من كل مذبوح زوجًا، أي: صنفًا، يعني: أعطاها زوجين من الإبل، والبقر، والغنم، ومن كل ما يذبح.
وقولها: ((قَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ، وَمِيرِي أَهْلَكِ))، أي: كُلِي ما تشائين، وصلِي أهلك، وأعطيهم ما تشائين، فهي تصفه بأنه رجل كريم.
وقولها: ((فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ)): فيه: أنه مع ما أعطاها من النعم والإبل ومن كل رائحة صنفين تذكرت زوجها الأول، فقالت: لو أحصيت كل ما أعطاني زوجي الحالي ما بلغ أصغر آنية من آنية أبي زرع زوجِها السابق.
وقولها: ((قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ)): هذا هو الشاهد من كل هذا الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ))، وهذا فيه: بيان حسن عشرة النبي صلى الله عليه وسلم، وملاطفته لأهله، ويستدل به على أنه لا بأس بذكر أخبار السابقين، وأخذ العبرة منها، وكذلك احتج به على أن المجهول لا غيبة له، إنما يكون غيبةً إذا كان الشخص معروفًا، أو كان يُعرف من الوصف، وقد يقال: إن هذا قد وقع في الجاهلية.
وفيه: دليل على أن المشبَّه لا يكون مثل المشبه به من جميع الوجوه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ))، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من أبي زرع لا شك.
واحتج به بعضهم على أن الكناية عن الطلاق لا تقع إلا بنية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ))، وأبو زرع طلقها، فلا يعتبر قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا طلاقًا لعائشة رضي الله عنها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينوِ.

الصفحة 114