كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

فأثنى عليه العلماء وشكروه (¬١).
وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية:
وَلِأَجْلِ ذَا ضَحَّى بِجَعْدٍ خَالِد الـ ... ـقُسريُّ يَوْمَ ذَبَائِحِ القُرْبَانِ
إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ خَلِيلَهُ ... كَلَّا وَلَا مُوسَى الكَلِيمُ الدَّانِي
شَكَرَ الضَّحِيَّةَ كُلُّ صَاحِبِ سُنَّةٍ ... للهِ دَرُّكَ مِنْ أَخِي قُرْبَانِ (¬٢)
ولا شك أن هذه الأضحية تفوق سائر الأضاحي في الأجر والثواب؛ لأن فيها قطعًا لدابر الشر والفساد، لكن هذا الرجل لم يمت حتى اتصل به شخص آخر يقال له: الجهم بن صفوان، وأخذ منه هذه العقيدة الخبيثة، ثم نشر هذا المذهب الخبيث، وانتشر ونُسب إلى الجهم بن صفوان، فقيل: مذهب الجهمية، والأصل أن يقال: مذهب الجعدية؛ لأنه مؤسس هذه العقيدة الفاسدة.
مسألة: هل ينبغي للمسلم أن يحب الله سبحانه وتعالى محبة الخلة؟
والجواب: يجب على كل مؤمن أن يحب الله تعالى، وأن يحب رسوله صلى الله عليه، وليس بمؤمن من لم يحبهما، أما محبة الخلة فلا، فمن قال: أنا خليل الله يكون كذابًا؛ لأن كمال المحبة تقرب إلى الطاعة والانقياد، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فالصادق في محبته هو المطيع، فمن كان صادقًا في محبته فهو مطيع لله، ومن ادعى المحبة والولاء لله وللرسول ولا يطيعه فهو كاذب، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، وهذه الآية يسميها العلماء: آية المحنة، فإن كان المحب صادقًا في دعوى محبة الله فلا بد لذلك من علامة، وهي: اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، وأما من كان يدعي محبة الله ومحبة رسوله وهو لا يطيع الله
---------------
(¬١) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص ٢٩).
(¬٢) القصيدة النونية، لابن القيم (ص ٨).

الصفحة 12