كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

مكافأة له؛ لأنه كان ألبس العباسَ رضي الله عنه حين أُسر يومَ بدر قميصًا، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئه، فكافأه وأعطاه قميصه لما توفي أبوه، وفي صحيح البخاري: ((أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ، فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ)) (¬١).
قوله: ((أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ؟ ! )): هذا فهمٌ من عمر رضي الله عنه لقوله: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} بإفادة النهي عن الصلاة على المنافقين، والنبي صلى الله عليه وسلم فهم منها التخييرَ؛ ولهذا قال: ((إِنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا)) (¬٢) فصلى عليه النبي عليه السلام؛ لعل الله ينفعه بذلك؛ لأنه لم يكن قد نزل النهي الصريح، ثم بعد ذلك نزل قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}، ثم بين الله تعالى العلة بقوله: {إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ}.
وفيه: أنه لا يجوز الصلاة على الكافر؛ فالعلة المانعة من الصلاة هي الكفر، فمن علم نفاقه وكفره لم تجز الصلاة عليه، ومن لم يعلم كفره يصلى عليه ولو كان فاسقًا، وفي رواية أخرى أن عمر رضي الله عنه قال: ((فَعَجِبْتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ)) (¬٣)، فقد أخذ بثوبه، وقال: ((يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ )) (¬٤)، وهذه من الموافقات أيضًا، فقد أنزل الله تعالى النهي عن الصلاة على المنافقين بعدها.
وفيه: أن العالم قد ينبَّه على بعض الأشياء، مثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم صائمًا في سفر وقد غربت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: ((اجْدَحْ لَنَا))، يعني: اخلط لنا الماء
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (١٢٧٠).
(¬٢) أخرجه البخاري (١٣٦٦).
(¬٣) أخرجه البخاري (١٣٦٦).
(¬٤) أخرجه البخاري (٢٤٠٠).

الصفحة 30