كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

نواقضهما، فإذا فعلوا ذلك فإنهم يعصمون دماءهم وأموالهم، وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا ذَبِيحَتَنَا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ)) (¬١).
ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله: شهادة أن لا معبود بحق إلا الله، فالإله هو المعبود، والمألوه الذي تألهه القلوب محبة وخوفًا ورجاءً وإجلالًا وتعظيمًا، وفيه: الرد على أهل الكلام من الأشاعرة والصوفية وغيرهم الذين يفسرون الإله بالخالق والقادر على الخلق، ومعنى ذلك: أنهم يفسرون كلمة التوحيد بتوحيد الربوبية، وهذا باطل؛ إذ لو كان معناها: لا خالق إلا الله لكان كفار قريش موحدين؛ لأنهم يقولون: لا خالق إلا الله، ومع ذلك قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن الكافر إذا أتى بالشهادتين يُكَف عنه؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، إِلَّا بِحَقِّهَا))، فيكف عنه ولو ظن المقاتلُ أنه قالها تعوذًا، أو خوفًا من القتل، فإذا قال: لا إله إلا الله، أو قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقد وجب الكف عنه، ويحكم بإسلامه، وبعد ذلك ينظر فإن التزم بأحكام الإسلام فالحمد لله، وإن فعل ما يناقضها قُتل بعد ذلك؛ لأنه مرتد حينئذٍ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة بن زيد رضي الله عنه لما كان يقاتل قومًا، فلما رفع سيفه على أحدهم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله أسامة، وأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ ! )) قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا قَالَ: ((أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ ! )) قَالَ: فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ (¬٢).
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٩٢).
(¬٢) أخرجه البخاري (٦٨٧٢).

الصفحة 45