كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

الدعوة، فإذا كان الكفار قد بلغتهم الدعوة فيستحب أن يُبلغوا مرة أخرى، وليس ذلك بواجب، فهو مخير بين أن يدعوهم مرة أخرى، وبين أن يهجم ويُغِير عليهم ويقاتلهم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل الأمرين، كرر الدعوة في غزوة خيبر مع أنها بَلَغَتْهم، وأغار على بني المصطلق وهم غارُّون، يعني: غافلون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، واصطفى لنفسه جويرية بنت الحارث رضي الله عنها، فصارت من أمهات المسلمين (¬١)؛ لأن الدعوة قد بلغتهم.
وفيه: أن الكفار يُدعون إلى الإسلام، ويُعلمون بما يجب عليهم من حق الله تعالى، وهو التوحيد؛ ولهذا قال: ((انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ))، أخبِرهم بأن الله خلقهم ليوحدوه ويعبدوه، فعليهم أن يسلموا وأن يؤدوا حق الله؛ لأنهم مخلوقون لهذا.
وفيه: أنه ينبغي للداعية أن يحرص على هداية من يدعوهم.
وفيه: فضل من اهتدى على يديه رجل، وأنه خير له من الدنيا وما فيها، والنبي صلى الله عليه وسلم أقسم وقال: ((فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ))، يعني: من الإبل الحمر، وسواء أكان هذا الرجل المهتدي كافرًا، أم عاصيًا، أم غافلًا عن سنةٍ ما، فمن كان سبب في هدايته كان له مثل أجره.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ((مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ)) (¬٢)، وليس معنى: ((سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ)): أن الإنسان
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (٢٦٣٦٥)، وأبو داود (٣٩٣١).
(¬٢) أخرجه مسلم (١٠١٧).

الصفحة 47