كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

قال لها: ((يَا أُمَّه، تَعْلَمِينَ- واللهِ يَا أُمَّه- لَوْ كَانَتْ لَكَ مِائَةُ نَفْسٍ فَخَرَجَتْ نَفْسًا نَفْسًا ما تَرَكْتُ هَذَا الشيءَ، إِنْ شِئْتِ فَكُلِي، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَأْكُلِي، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَكَلَتْ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ)) (¬١).
ولكن مع ذلك يتلطف الابن مع الوالد ولو كان كافرًا، فيحسن إليه، وينفق عليه، ويخاطبه بما يناسبه؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، وقد ثبت في الصحيحين أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قدمت إليها أمها وهي مشركة، وهي راغبة في رزقها، فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((صِلِي أُمَّكِ)) (¬٢)، والله تعالى يقول: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}، فَيُحسَن إلى الوالدين وغير الوالدين من الكفار إذا لم يكونوا حربيين، وينفَق عليهم، ويُطعَمون، ويُسقَون، ويعامَلون معاملة طيبة، ومن ذلك: أن عمر رضي الله عنه لما جاءته حلة من حرير أرسلها إلى أخ له بمكة كان مشركًا (¬٣).
وقوله: ((نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ))، يعني: أعطني إياه زيادة على قسمي من الغنيمة، فالنفل هو الزيادة، وقد سبق في باب الأنفال أن القائد أو الإمام له أن ينفل بعض أفراد الجيش، فينفل سلب القتيل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ)) (¬٤)، فينفل من كان له تأثير في الجيش فيعطيه زيادة على نصيبه، والسرية إذا انطلقت من الجيش ثم غنمت تنفل الربع في الذهاب والثلث في الإياب زيادة على نصيبهم، ثم بعد ذلك يؤخذ الخمس، ثم تقسم أربع أخماس على الغانمين.
---------------
(¬١) أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٢٠/ ٣٣١).
(¬٢) أخرجه البخاري (٢٦٢٠)، ومسلم (١٠٠٣).
(¬٣) أخرجه البخاري (٨٨٦)، ومسلم (٢٠٦٨).
(¬٤) أخرجه الطبراني في الكبير (٦٩٩٥)، والبيهقي في الكبرى (١٢٧٨١).

الصفحة 61