كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

فسعد رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ))، وكرر طلبه هذا ثلاث مرات، وفي كل مرة يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: ((رُدُّهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ))، فأنزل الله هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وفيه: أنه لما مرض سعد رضي الله عنه وهو بمكة مرضًا أوشك فيه على الموت، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم، وصب عليه من وضوئه فأفاق، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة ماله حيث شاء، وقال- كما في الحديث الآخر-: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا كَثِيرًا، وَإِنَّمَا يَرِثُنِي ابْنَتِي، أَفَأُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَبِالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَالنِّصْفُ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَالثُّلُثُ؟ قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ، وَإِنَّكَ أَنْ تَدَعَ أَهْلَكَ بِخَيْرٍ- أَوْ قَالَ: بِعَيْشٍ- خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)) (¬١).
وفيه: دليل على خبث الخمر؛ لما تفعل بشاربها.
وفيه: أنه قبل أن تحرم الخمر شرب سعد رضي الله عنه مع أصحابه، فجعلوا يتحدثون وهم سكارى، فقال سعد رضي الله عنه: ((فَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ، وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ، فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيِ الرَّأْسِ، فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي))، وهكذا السكران لا يعلم ولا يعقل ما يفعل، وإذا عارضه أحد فإنه لا يبالي؛ لأنه ليس لديه عقل؛ ولذلك حرمها الله تعالى تعالى بقوله: {يسألونك عن الخمر والميسر}، وقد نزلت في سعد رضي الله عنه، وهذا من مناقبه، ويحتمل أنها نزلت فيه وفي غيره.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٩٣٦)، ومسلم (١٦٢٨).

الصفحة 62