كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، أو سمعه من صحابي آخر، ثم إن مثل هذا لا يقال فيه بالرأي، فهذا له حكم الحديث المرفوع.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها- كما سيأتي-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ)) (¬١)، لكن مع خديجة رضي الله عنها قال: ((فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي))، وهذه منقبة لا يصل إليها أحد، وقد يقال: إن هذا يدل على فضلها على جميع النساء، وقد يقال: إن عائشة رضي الله عنها أفضل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ))، وقد جمع بينهما بعض العلماء فقال: إن خديجة رضي الله عنها في أول الإسلام أفضل، وعائشة رضي الله عنها في آخر الإسلام أفضل.
فخديجة رضي الله عنها كانت هي أفضل النساء في أول الإسلام؛ لأنها أول من آمن من النساء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنها امرأة عاقلة رزينة راجحة العقل، واست النبي صلى الله عليه وسلم بنفسها ومالها، وهدأت من روعه عليه الصلاة والسلام في أول البعثة لما جاءه جبريل، وقد حصل له رعب منه، فقالت: ((كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ)) (¬٢) فلخديجة رضي الله عنها مواقف في أول الإسلام عظيمة لا يقوم مقامها أحد.
وأما عائشة رضي الله عنها فلها بعد انتشار الإسلام فضل عظيم، فهي أفقه النساء، حفظت من العلم الشيء الكثير، ونقلت الأحاديث الكثيرة ونشرتها بين الأمة، ولا سيما ما يكون في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وما يتعلق بأزواجه، وما يكون في السِّر، فلها فضل عظيم.
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٣٢١٧)، ومسلم (٢٤٤٧).
(¬٢) أخرجه البخاري (٦٩٨٢).

الصفحة 84