كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

إلى القبلتين، وقيل: من أسلم قبل الحديبية وقاتل، وهذا هو الصواب؛ لأن الله تعالى جعل التفضيل بالسبق والجهاد قبل الحديبية، فمن أسلم قبل الحديبية فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعدها فليس من السابقين الأولين، قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا} والمراد بالفتح: الحديبية، وسماه الله فتحًا لِما يعقبه من النصر، ودخول الناس في الإسلام، ثم قال: {وكلًّا وعد الله الحسنى}، فكلٌّ موعود بالجنة، السابقون وغير السابقين، لكنهم لا يستوون في الفضيلة.
وأما من قال: إنه من صلى إلى القبلتين، فهذا ليس عليه دليل؛ لأن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس فيها دليل خاص، ولأنه بعد القبلة الأولى أسلم جمع غفير، ولو كان من صلى إلى القبلتين فالقبلة الأولى قد نسخت بعد ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا فيكون العدد قليلًا من السابقين الأولين، لكن قبل صلح الحديبية كان العدد كبيرًا.
ثم يلي السابقين المهاجرين في الأفضلية من أسلم بعد الحديبية، وقبل فتح مكة ومنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم بعد ذلك من أسلموا في الفتح، ويسمون: الطلقاء، ومنهم: أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه قائد الجيوش، وابناه يزيد ومعاوية رضي الله عنهما كلهم أسلموا بعد الفتح، ولذلك لما سار عمر رضي الله عنه بالجيش حين وقع الطاعون في الشام، استشار السابقين الأولين، ثم استشار الأنصار، ثم استشار مسلمة قريش، ومسلمة الفتح.
وفيها: أن من مناقب أبي بكر رضي الله عنه ما ميزه الله تعالى به من العلم لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، وقال: ((عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى، فَقَالَ: فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا))، فتعجب بعض الناس، وقالوا: ما بال هذا الشيخ يبكي؟ ! وأبو بكر رضي الله عنه قد فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو العبد المخير، وفهم قرب أجله؛ فلهذا بكى، وقال:

الصفحة 9