كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

فلها ليلة يبيت عندها، ولا يلزم بذلك الجماع.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعدل بين نسائه، وكان يقول: ((اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ، فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ، وَلَا أَمْلِكُ)) (¬١)، على أن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، هل يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعدل بينهن، أو لا يجب؟ على قولين:
القول الأول: إنه لا يجب عليه العدل، ولكنه يعدل من باب الاستحباب، وإنما العدل يجب على الأمة.
القول الثاني: إنه يجب عليه العدل؛ ولهذا ففي مرض موته صلى الله عليه وسلم استأذن أزواجه رضي الله عنهن أن يُمَرَّض في بيت عائشة رضي الله عنها، فأذِنَّ له في ذلك.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر فاطمة رضي الله عنها بحبه لعائشة رضي الله عنها، وقال لها: ((أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟ ))، فَقَالَتْ: بَلَى، قَالَ: ((فَأَحِبِّي هَذِهِ))، فخرجت، وأخبرت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلم يرضين بذلك وقلن لها: ارجعي مرة أخرى، فما أغنيتِ عنا شيئًا، فأبت عليهن ذلك وقالت: لا والله لا أرجع، فأرسلن زينب رضي الله عنها؛ لمكانتها عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلت زينب على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على حالته الأولى التي دخلت عليها فاطمة رضي الله عنها وهو مضطجع مع عائشة في مرطها، فقالت له: ((يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ))، وهذا من الغيرة؛ فإنها لم تقل: عائشة، بل: ابنة أبي قحافة، ولم يقلن: ابنة أبي بكر، قلن: في ابنة أبي قحافة، فتكلمت زينب رضي الله عنها في عائشة رضي الله عنها بسبب الغيرة وسبتها، ونالت منها، فأرادت عائشة رضي الله عنها أن تقتص لنفسها وترد عليها، وهي ترقب النبي صلى الله عليه وسلم وتنظر إليه هل يأذن لها في ذلك أو لا يأذن؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يرقب ولم يتكلم بشيء، لكنها علمت مما ظهر على وجهه صلى الله عليه وسلم أنه لا يكره أن تنتصر، فردت عليها، فقالت: ((فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حَتَّى أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا))، وفي رواية أخرى: ((أَثْخَنْتُهَا غَلَبَةً))، يعني: غلبتها بالكلام، ورددت عليها، وهذا من باب الأخذ بالحق، أي: اقتصت
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (٢٥١١١)، وأبو داود (٢١٣٤).

الصفحة 95