كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

منها، وفي لفظ آخر في غير الصحيح: ((فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا قَدْ يَبِسَ رِيقُهَا فِي فَمِهَا)) (¬١)، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ)).
قال النووي رحمه الله: ((اعلم أنه ليس فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة ولا أشار بعينه ولا غيرها، بل لا يحل اعتقاد ذلك؛ فإنه صلى الله عليه وسلم تحرم عليه خائنة الأعين، وإنما فيه أنها انتصرت لنفسها فلم ينهها، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ)) فمعناه: الإشارة إلى كمال فهمها وحسن نظرها، والله أعلم)) (¬٢).
وهذا الذي حصل بينهن من باب الغيرة المتجاوز عنها؛ لأنهن جُبِلن على هذا، ولا يستطعن دفعه؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسامحهن ولا يعاتبهن فيه، ومن ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرة عند عائشة رضي الله عنها، فجاءت هديةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بعض أزواجه، طعامٌ جاء به الخادم، فلما جاء إلى النبي صلى الله علية وسلم أصابت الغيرة عائشة، فضربت يد الخادم، فسقطت الصحفة، وتكسرت، وسقط الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((غَارَتْ أُمُّكُمْ، ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ)) (¬٣).
ولم يسبها صلى الله عليه وسلم أو ينتهرها كما يفعل بعض الناس، بل أبدله بإناء أخذه من بيت عائشة رضي الله عنها، وفي هذا دليلٌ على عظيم خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو كما وصفه الله عز وجل بقوله: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
وقولها: ((وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ، وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى)): هذا من إنصاف عائشة رضي الله عنها وعدلها في القول، فبرغمِ الغيرة التي كانت بينها وبين زينب رضي الله عنها، وما حصل بينهما من كلام،
---------------
(¬١) أخرجه أحمد (٢٤٦٢٠).
(¬٢) شرح مسلم، للنووي (١٥/ ٢٠٧).
(¬٣) أخرجه البخاري (٥٢٢٥).

الصفحة 96