كتاب توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (اسم الجزء: 7)

وتلاسن أمام النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ذلك لم يحملها على أن تخفي فضائلها، بل أثنت عليها وأشادت بذكرها، وهذه فضيلة أخرى من فضائل عائشة رضي الله عنها.

[٢٤٤٣] وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِي عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَفَقَّدُ يَقُولُ: ((أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ ))، اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي.
[خ: ١٣٨٩]
في هذا الحديث: بيان فضيلة أخرى من فضائل عائشة رضي الله عنها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستبطئ يومها ويتحراه؛ لأن نساءه صلى الله عليه وسلم كُنَّ تسعًا، فكان يقول: ((أَيْنَ أَنَا الْيَوْمَ؟ أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ ))؛ استبطاءً ليوم عائشة رضي الله عنها وتحرِّيًا له.
وقولها: ((فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي))، السَّحْر: هي الرئة وما تعلق بها، والمراد: الصدر، والنحر معروف، وهو العنق، يعني: لما قبضه الله كان متكئًا بين صدرها ونحرها، وفي اللفظ الآخر قالت: ((فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ)) (¬١)، وذلك أنه دخل عبد الرحمن رضي الله عنه أخوها ومعه سواك، وكان يحب صلى الله عليه وسلم السواك، فجعل ينظر إليه، قالت: ((فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَنَّ بِهِ، وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي)) (¬٢)، وكان صلى الله عليه وسلم يحب المكان الذي يقع عليه فمُ عائشة رضي الله عنها، فكان يتحرَّى الإناءَ الذي تشرب منه عائشة، فيشرب من الموضع الذي شربت منه (¬٣)، فهي رضي الله عنها حين تسوَّكت بالسواك،
---------------
(¬١) أخرجه البخاري (٤٤٥١).
(¬٢) أخرجه البخاري (٤٤٥٠).
(¬٣) أخرجه مسلم (٣٠٠).

الصفحة 97