كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 7)

أن يقولَ النّاسُ: يقتُلُهُم للضَّغائنِ، أو لما شاء اللهُ غير ذلك، فيمتَنِعَ النّاسُ من الدُّخُولِ في الإسلامِ (¬١). هذا معنى قولِهِ.
وقد رُوِيَ عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنَّهُ عُوتِبَ في المُنافِقين، فقال: "يتَحدَّثُ النّاسُ أنِّي أقتُلُ أصحابي" (¬٢).
وقدِ احتجَّ عبدُ الملكِ بن الماجِشُونِ في قتلِ الزِّنديقِ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [الأحزاب: ٦٠ - ٦١]. يقولُ: إنَّ الشَّأنَ فيهم أن يُقتَّلُوا تَقْتيلًا حيثُ وُجِدُوا، ولم يذكُرِ اسْتِتابةً، فمن لم يَنْتهِ عمّا كانَ عليهِ المُنافِقُونَ، في زَمنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قُتِلَ، حيثُ وُجِدَ، واللّهُ أعلمُ.
قال أبو عُمر: مالكٌ وأصحابُهُ كلُّهُم إلّا ابنَ نافِع، يجعلُون مالَ الزِّنديقِ إذا قَتلوهُ لورثتِهِ المُسلِمينَ (¬٣)، وهُم لا يقتُلُونهُ لفَسادٍ في الأرض، كالمُحارِبِ، وأهلِ البِدَع، ولا يقتُلُونهُ حدًّا، وإنَّما يقتُلُونهُ على الكُفرِ، فكيفَ يرِثُهُ المُسلِمُونَ، وقد قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يرِثُ المُسلِمُ الكافِر"؟ (¬٤).
---------------
(¬١) انظر: البيان والتحصيل ١٦/ ٤٤٣ - ٤٤٤، والاستذكار ٢/ ٣٥٧ (ط. العلمية)، وفتح الباري للحافظ ابن حجر ١٢/ ٢٧١.
(¬٢) أخرجه الطيالسي (١٧٠٨)، وعبد الرزاق في المصنَّف (١٨٠٤١)، والحميدي (١٢٣٩)، وأحمد في مسنده ٢٣/ ٣٨٨ (١٥٢٢٣)، والبخاري (٣٥١٨، ٤٩٠٥، ٤٩٠٧)، ومسلم (٢٥٨٤) (٦٣)، والترمذي (٣٣١٥)، والنسائي في الكبرى ٨/ ١٣٦، ١٠٣٠٤ (٨٨١٢، ١١٥٣٥)، وأبو يعلى ٢/ ٣٧٣ (١٩٥٧)، وابن حبان (٥٩٩٠، ٦٥٨٢) من حديث جابر. وانظر: المسند الجامع ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٤ (٢٧٦٩).
(¬٣) انظر: البيان والتحصيل ١٦/ ٤٤٣، والاستذكار ٢/ ٣٥٨.
(¬٤) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٢١ (١٤٧٥) من حديث أسامة بن زيد.

الصفحة 29