كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 7)

ولم يذكُر مالكٌ رحِمهُ الله في "مُوطَّئه" في حديثِهِ عن يحيى بن سعيدٍ، عن عَمْرةَ، في هذا الحديثِ: أنَّ النَّبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أرادَ أن يعتكِفَ، صلَّى الصُّبحَ، ثُمَّ دخل مُعتكفهُ. وما أظُنُّهُ تركهُ، واللّهُ أعلمُ، إلّا أنَّهُ رأى النّاسَ على خِلافِهِ.
وأجمع مالكٌ (¬١) وأصحابُهُ، على أنَّ المرأةَ إذا نَذَرتِ اعتِكافَ شَهْرٍ، فمرِضتهُ، أنَّها لا تَقْضيهِ، ولا شيءَ عليها. واختلفُوا إذا حاضتهُ، فقال ابن القاسم: تَقْضيهِ، وتَصِلُ قضاءَها بما اعْتَكفت قبل ذلكَ، فإن لَمْ تفعلِ اسْتَأنفَتْ.
وقال محمدُ بن عبدُوسٍ: الفرقُ بين المرَضِ والحَيْضِ، أنَّ المريضةَ تمرضُ الشَّهر كلَّهُ، والحائض لا تحيضُ الشَّهر كلَّهُ، وأقْصَىَ ما تحيضُ منهُ، خَمْسةَ عشر يومًا، فإذا وجَبَ عليها بعضُهُ، وجَبَ كلُّهُ.
قال أبو عُمرَ: هذه حُجَّةُ من يُسامِحُ نفسهُ، ويُكلِّمُ من يُقلِّدُهُ، وفسادُها أظهرُ من أن يحتاج إلى الكلام عليها.
وقد سوَّى سحنُونٌ بين حُكم الحيضِ والمرضِ، وقال: إنَّما عليها إذا طَهُرت من حَيْضتِها، اعتِكافُ بقيَّةِ المُدَّةِ، إن بَقِيَ منها شيءٌ في المرَضِ والحَيْضِ جميعًا، وما مَضَى فليسَ عليها قَضاؤُهُ (¬٢).
وهُو ظاهِرُ قولِ مالكٍ في "المُوطَّأِ" (¬٣) وقد قال مالكٌ فيمن نَذرَتْ صومَ يوم بعينِهِ: إنَّها إن مرِضَتْ أو حاضَتْ فأفْطَرَتْ لذلكَ، فلا قضاءَ عليها، فإن أفطرَتْ لغيرِ عُذرٍ، وهي تقْوَى على الصيام، فعليها القَضاءُ.
فحُكمُ الاعتِكافِ عِنْدي مِثلُ ذلكَ، وهُو قولُ اللَّيثِ، والشّافِعيِّ، وزُفَر.
---------------
(¬١) الذخيرة للقرافي ٢/ ٥٤٦.
(¬٢) مناهج التحصيل للرجراجي ٢/ ١٦٢، والذخيرة للقرافي ٢/ ٥٣٨.
(¬٣) الموطأ ١/ ٤٢٥ - ٤٢٦ (٨٨٣).

الصفحة 357