كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 7)

حديثٌ ثانٍ لابنِ شِهاب، عن الأعرج
مالكٌ (¬١)، عن ابن شِهاب، عن عبدِ الرَّحمنِ الأعرج، عن عبدِ الله بن بُحَيْنةَ قال: صلَّى لنا رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتينِ، ثُمَّ قامَ فلم يجلِسْ، فقامَ النّاسُ معهُ، فلمّا قَضَى صلاتهُ، فانتظرنا تَسْليمَهُ، كبَّر فسجَدَ سَجْدتينِ وهُو جالِسٌ قبل التَّسليم، ثُمَّ سلَّمَ.
قد ذكرنا ابنَ بُحَيْنةَ في الصَّحابةِ (¬٢) بما يُغني عن ذِكرِهِ هاهُنا.
وفي هذا الحديثِ: بيانُ أنَّ الوهَمَ والنِّسيانَ لا يَسْلَمُ منهُ أحدٌ من المخلُوقينَ، وقد يكونُ ما نزلَ بهِ من ذلك، ومن مِثلِه، ليَسُنَّ (¬٣) لأُمَّتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، ألا تَرَى إلى قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إنِّي لأنسَى، أو أُنسَّى، لأسُنَّ" (¬٤).
وفي هذا الحديثِ من الفِقهِ: أنَّ المُصلِّيَ إذا قامَ مِنِ اثْنَتينِ، واعتدَلَ قائمًا، لم يكُن لهُ أن يرجِعَ، وإنَّما قُلنا: واعتدلَ قائمًا؛ لأنَّ النّاهِض لا يُسمَّى قائمًا حتَّى يعتدِلَ على الحقيقةِ، وإنَّما القائمُ: المُعتدِلُ.
وفي حديثنا هذا: "ثُمَّ قام". وإنَّما قُلنا: لا ينبغي لهُ إذا اعتدلَ قائمًا أنَّ يرجِعَ؛ لأنَّهُ معلُومٌ أنَّ من اعتدلَ قائمًا في هذه المسألةِ، لا يخلُو من (¬٥) أن يذكُر بنفسِهِ، أو يُذكِّرهُ من خلفهُ بالتَّسبيح، ولا سيَّما قوم قيل لهم: "من نابهُ شيءٌ في صلاتِهِ، فليُسبِّح" (¬٦). وهُم أهلُ النُّهَى، وأولى من عمِلَ بما حَفِظَ ووعَى.
---------------
(¬١) الموطأ ١/ ١٥٢ (٢٥٦).
(¬٢) الاستيعاب ٣/ ٨٧١.
(¬٣) في م: "ليس" خطأ.
(¬٤) أخرجه في الموطأ ١/ ١٥٥ (٢٦٤).
(¬٥) في ر ١: "إما".
(¬٦) أخرجه في الموطأ ١/ ٢١٣، ٢٣٢ (٤٥١) من حديث سهل بن سعد.

الصفحة 54