كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 7)

قال ابنُ القاسم: سُئلَ مالكٌ عن حديثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعَنَّ أحدُكُم جارَهُ أن يَغْرِزَ خشبةً في جِدارِهِ". فقال مالكٌ: ما أرَى أن يُقضى بهِ، وما أراهُ إلّا من وَجْهِ المعرُوفِ من النَّبيِّ عليهِ السَّلامُ (¬١).
قال ابنُ القاسم: سُئل مالكٌ عن رجُلٍ كان لهُ حائطٌ، فأرادَ جارر أن يبنيَ عليهِ سُترةً يَسْتتِرُ بها منهُ، قال: لا أرَى ذلك لهُ، إلّا أن يأذَنَ صاحِبُهُ (¬٢).
وقال آخرُونَ: ذلك على الوُجُوبِ، إذا لم تكُن في ذلك مَضرَّةٌ على صاحِبِ الجِدار. ومِمَّن قال بهذا: الشّافِعيُّ، وأحمدُ بن حنبل، وداودُ بن عليٍّ، وأبو ثَوْرٍ، وجماعةٌ من أهلِ الحديثِ (¬٣)، وحُجّتُهُم (¬٤) قولُ أبي هُريرة: والله لأرمينَّ بها بين أكتافِكُم. وأبو هُريرة أعلمُ بمعنى ما سمِعَ، وما كان ليُوجِب عليهم غير واجِب، وهُو مذهبُ عُمرَ بن الخطّابِ، وحكى مالكٌ عن المُطَّلِبِ، قاضٍ كان بالمدينةِ، كان (¬٥) يقضي بهِ (¬٦).
ومن حُجَّتِهِم أيضًا، أنْ قالوا: هذا قَضاءٌ من رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بالمَرْفِقِ، وقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحِلُّ مالُ امرِئ مُسلِم، إلّا عن طيبِ نفسٍ منهُ" إنَّما هُو على التَّمليكِ والاستِهلاكِ، وليس المرفِقُ من ذلك، وكيف يكونُ منهُ والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فرَّقَ بيَّنَ ذلك، فأوجَبَ أحدَهُما، ومنع من الآخرِ؟
---------------
(¬١) البيان والتحصيل ١٧/ ٦٢٨.
(¬٢) ذكره المصنف في الاستذكار ٧/ ١٩٣.
(¬٣) مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٤٠١.
(¬٤) في ر ١: "ومن حجتهم".
(¬٥) في الاستذكار: "أنه كان ... " والمثبت من النسخ، وهو جائز صحيح، حمل "حكى" على محمل "قال".
(¬٦) انظر: الاستذكار ٧/ ١٩٣.

الصفحة 83