كتاب تاريخ ابن خلدون (اسم الجزء: 7)

زيري حسبما نذكره، وجمع أيديهما على مدافعة بدوي، فساء أمره فيهما جميعا إلى أن راجع أبو البهار ولاية منصور ابن أخيه كما نذكره بعد. وحاربه زيري فكان له الظهور عليه ولحق أبو البهار بسبتة، ثم عاد إلى قومه.
واستفحل زيري من بعد ذلك، وكانت بينه وبين بدوي وقعة اكتسح زيري من ماله ومعسكره مالا كفؤله، وسبى حرمه. واستلحم من قومه زهاء ثلاثة آلاف فارس.
وخرج إلى الصحراء شريدا سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة. وهلك هناك فولي أمره في قومه حبّوس ابن أخيه زيري بن يعلى، ووثب به ابن عمه أبو يداس بن دوناس فقتله طمعا في الرئاسة من بعده، واختلف عليه قومه فأخفق أمله وعبر البحر إلى الأندلس في جمع عظيم من قومه. وولي أمر بني يفرن من بعده حمامة بن زيري بن يعلى أخو حبّوس المذكور، فاستقام عليه أمر بني يفرن وقد مرّ ذكره في خبر بدوي غير مرّة، وأنه كانت الحرب بينه وبين زيري بن عطية سجالا، وكانا يتعاقبان ملك فاس بتناول الغلب. وأنه لما وفد زيري على المنصور خالفه بدوي إلى فاس فملكها، وقتل بها خلقا من مغراوة، وأنه لمّا رجع زيري اعتصم بدوي بفاس فنازله زيري وهلك من مغراوة وبني يفرن في ذلك الحصار خلق. ثم اقتحمها زيري عليهم عنوة فقتله وبعث برأسه إلى سدّة الخلافة بقرطبة سنة ثلاث وثمانين وثلاثمائة والله أعلم.
(ولمّا) اجتمع بنو يفرن على حمامة تحيّز بهم إلى ناحية شالة من المغرب فملكها وما إليها من تادّلّا، واقتطعها من زيري، ولم يزل عميد بني يفرن في تلك العمالة، والحرب بينه وبين زيري ومغراوة متّصلة، وكانت بينه وبين المنصور صاحب القيروان مهاداة، فأهدى إليه وهو محاصر لعمّه حماد بالقلعة سنة ست وأربعمائة، وأوفد بهديته أخاه زاوي بن زيري فلقيه بالطبول والبنود. ولما هلك حمامة قام بأمر بني يفرن من بعده أخوه الأمير أبو الكمال تميم بن زيري بن يعلى فاستبدّ بملكهم، وكان مستقيما في دينه مولعا بالجهاد، فانصرف إلى جهاد برغواطة وسالم مغراوة وأعرض عن فتنتهم.
(ولمّا) كانت سنة أربع وعشرين وأربعمائة تجدّدت العداوة بين هذين الحيّين بني يفرن ومغراوة، وثارت الإحن القديمة، وزحف أبو الكمال صاحب شالة وتادلا وما إلى ذلك في جموع يفرن. وبرز إليه حمامة بن المعز في قبائل مغراوة، ودارت بينهم حروب شديدة وانكشفت مغراوة وفرّ حمامة إلى وجدة، واستولى الأمير أبو الكمال تميم وقومه على فاس وغلبوا مغراوة على عمل المغرب. واكتسح تميم اليهود بمدينة فاس،

الصفحة 29